للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْوَزْنُ دُونَ الْجُودَةِ وَالصَّنْعَةِ فَإِنْ أَدَّى قِيمَةَ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ مِنْ الذَّهَبِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ جَمِيعُ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَدَاءِ الْفَضْلِ.

(قَالَ): رَجُلٌ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَقَالَ: هِيَ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَكَلَّمَهُ ثُمَّ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَعَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِهَا بِحُكْمِ النَّذْرِ فَمِلْكُهُ كَامِلٌ فِيهَا فَإِنَّ دُيُونَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُمَكِّنُ نُقْصَانًا فِي الْمِلْكِ خُصُوصًا مَا لَا تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ بِحَالٍ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ بِخِلَافِ دَيْنِ الزَّكَاةِ فَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَمَّا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَ حَقَّ الْفُقَرَاءِ إلَى حَاجَتِهِ فَإِنَّ الْوَفَاءَ بِالنَّذْرِ مِنْ جُمْلَةِ حَاجَتِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إنْفَاقِهِ الْمَالَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لِلزَّكَاةِ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ مِنْهَا يَنْوِي عَنْ زَكَاتِهَا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِمَا بَقِيَ مِمَّا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ يَتَصَدَّقُ بِهَا؛ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ بِالْخَمْسَةِ الْأُولَى كَانَ عَنْ الزَّكَاةِ دُونَ النَّذْرِ فَإِنَّهُ نَوَاهَا عَنْ الزَّكَاةِ وَلِلْمَرْءِ مَا نَوَى ثُمَّ تَصَدَّقَ عَنْ نَذْرِهِ بِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَتِسْعِينَ، وَإِنَّمَا الْتَزَمَ التَّصَدُّقَ بِمِائَتَيْنِ عَنْ نَذْرِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ خَمْسَةً أُخْرَى. وَإِنْ ضَاعَ الْمَالُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ، وَلَا مِمَّا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ غَنِيًّا فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ وُجِدَ مِنْهُ تَصَرُّفٌ، وَهُوَ الْأَدَاءُ، وَلَا وَجْهَ لِتَجْوِيزِ الْمُؤَدَّى عَنْهَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَّسِعُ لِذَلِكَ فَجَعَلْنَا الْمُؤَدَّى عَمَّا نَوَاهُ، وَصَارَ هُوَ فِي حَقِّ الْآخَرِ كَالْمُسْتَهْلِكِ لِلْمَحَلِّ وَهُنَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَصَرُّفٌ، وَإِنَّمَا فَاتَ الْمَحَلُّ لِضَيَاعِ الْمَالِ وَمَعْنَى فَوَاتِ الْمَحَلِّ يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَقَّيْنِ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ.

(قَالَ): وَلَوْ أَنَّ أُمَّ وَلَدٍ لِرَجُلٍ لَهَا حُلِيٌّ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ فَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُزَكِّيَ ذَلِكَ مَعَ مَالِهِ إذَا حَالَ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ فِي حُكْمِ الْمِلْكِ كَالْأَمَةِ الْقِنَّةِ فَكَسْبُهَا وَمَا فِي يَدِهَا يَكُونُ مِلْكًا لِلْمَوْلَى، وَكَذَلِكَ كَسْبُ الْعَبْدِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ كَثِيرٌ مُحِيطٌ بِمَا فِي يَدِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَى سَيِّدِهِ فِيمَا فِي يَدِهِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ فَلِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا؛ فَلِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مَشْغُولٌ بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَالْمَالُ الْمَشْغُولُ بِالدَّيْنِ لَا يَكُونُ نِصَابَ الزَّكَاةِ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ أَكْثَرُ مِمَّا عَلَيْهِ فَالْفَضْلُ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فَارِغٌ عَنْ حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَيَضُمُّهُ إلَى مَالِهِ وَيُزَكِّيهِ وَلَكِنَّ هَذَا بَعْدَ مَا يَقْضِي الْعَبْدُ دُيُونَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ لِلْمَوْلَى شَيْءٌ مِنْ كَسْبِهِ قَبْلَ قَضَاءِ دُيُونِهِ فَإِذَا قَضَى دُيُونَهُ فَالْآنَ يُسَلَّمُ الْفَضْلُ لِلْمَوْلَى فَيُؤَدِّي الزَّكَاةَ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ مَالٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ فَقَضَاهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ عَنْهُ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>