فِي الدَّيْنِ مِنْ الْقَاضِي إبْطَالَ حَقِّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ أَصْلًا فَإِنَّهُ يَفُوتُ بِهِ مَحَلُّ حَقِّهِمْ.
وَلَا يَكُونُ الْمَوْلَى ضَامِنًا شَيْئًا إذَا كَانَ الْقَاضِي هُوَ الَّذِي يَبِيعُهُ، وَفِي التَّأْخِيرِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ إضْرَارًا بِالْغُرَمَاءِ مِنْ حَيْثُ تَأَخُّرُ حَقِّهِمْ؛ لِلِانْتِظَارِ، وَضَرَرُ التَّأْخِيرِ دُونَ ضَرَرِ الِانْتِظَارِ فَلِهَذَا يَصِيرُ إلَى الِانْتِظَارِ، وَإِنْ قَضَى الْقَاضِي أَنْ يُبَاعَ لَهُمْ وَصَاحِبُ الْجِنَايَةِ غَائِبٌ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ ثَابِتٌ فِي مَالِيَّتِهِ، وَهُوَ طَالِبٌ بِحَقِّهِ، وَلَا يَدْرِي أَنَّ صَاحِبَ الْجِنَايَةِ هَلْ يَحْضُرُ فَيَطْلُبُ حَقَّهُ أَوْ لَا يَحْضُرُ فَلَا يَمْتَنِعُ نُفُوذُ قَضَاءِ الْقَاضِي بِبَيْعِهِ؛ لِهَذَا ثُمَّ لَا شَيْءَ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ أَيْضًا أَمَّا عَلَى الْمَوْلَى فَلِأَنَّ الْقَاضِيَ هُوَ الَّذِي بَاعَ وَبِبَيْعِ الْقَاضِي لَا يَصِيرُ الْمَوْلَى مُفَوِّتًا مَحَلَّ حَقِّ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ.
وَالْقَاضِي فِيمَا يَقْضِي مُجْتَهِدٌ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا شَيْئًا، وَالْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ مُوجَبِ جِنَايَتِهِ شَيْءٌ فَإِنْ بَاعَهُ الْقَاضِي مِنْ أَصْحَابِ الدَّيْنِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ بِأَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ كَانَ الْفَضْلُ عَنْ الدَّيْنِ لِصَاحِبِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلُ الْعَبْدِ، وَكَانَ حَقُّهُمْ ثَابِتًا فِي الْعَبْدِ فَيَثْبُتُ فِي بَدَلِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْعَبْدَ الْجَانِي إذَا قَتَلَ ثَبَتَ حَقُّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ فِي قِيمَتِهِ فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ حَقُّهُمْ فِي الثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي اسْتِرْدَادِ مِقْدَارِ الدَّيْنِ مِنْ الْغُرَمَاءِ؛ لِحَقِّهِمْ فَيُجْعَلُ الْفَضْلُ عَلَى ذَلِكَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْفَضْلُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَحِينَئِذٍ حَقُّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ فِي مِقْدَارِ الْأَرْشِ، وَمَا فَضَلَ عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَهُوَ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ، وَقَدْ فَرَغَ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ، وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ الْمَوْلَى بِأَمْرِ الْقَاضِي فَهَذَا، وَبَيْعُ الْقَاضِي سَوَاءٌ، وَإِنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي بِخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ، وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدَيْنُهُ أَلْفٌ، وَجِنَايَتُهُ قَتْلُ رَجُلٍ خَطَأً فَإِنَّهُ يَدْفَعُ مِنْ الثَّمَنِ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ مِقْدَارَ دَيْنِهِ، وَهُوَ أَلْفٌ، وَإِلَى صَاحِبِ الْجِنَايَةِ مِقْدَارَ قِيمَتِهِ، وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْفَى صَاحِبَ الدَّيْنِ كَمَالَ حَقِّهِ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ لِصَاحِبِ الْجِنَايَةِ إلَّا قِيمَةَ الْعَبْدِ؛ لِيُفَوِّتَ مَحَلَّ حَقِّهِ بِبَيْعِهِ بِنَفْسِهِ اخْتِيَارًا فَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ مِقْدَارَ قِيمَتِهِ كَانَ الْبَاقِي لِلْمَوْلَى.
فَإِذَا قُتِلَ الْمَأْذُونُ عَمْدًا، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَعَلَى قَاتِلِهِ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ مَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ، وَوُجُوبُ الْقِصَاصِ لَهُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ، وَلَا شَيْءَ لِلْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي مَالِيَّتِهِ، وَقَدْ فَاتَ وَلَمْ يُخَلِّفْ بَدَلًا، فَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْمَالِيَّةِ، وَحَقُّهُمْ فِي مَحَلِّ تَمَكُّنِ إيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الْقِصَاصِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنْ صَالَحَ الْمَوْلَى الْقَاتِلَ مِنْ دَمِهِ عَلَى مَالٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ جَازَ، وَأَخَذَهُ الْغُرَمَاءُ بِدَيْنِهِمْ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ بِيعَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ بَدَلُ الْعَبْدِ، وَقَدْ كَانُوا أَحَقَّ بِهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ كَوْنَهُمْ أَحَقَّ بِبَدَلِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute