للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ مَحَلًّا صَالِحًا؛ لِإِيفَاءِ حَقِّهِمْ مِنْهُ، فَإِذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْهُ عَلَى مَالٍ صَارَ مَحَلًّا صَالِحًا؛ لِذَلِكَ فَيَثْبُتُ حَقُّهُمْ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ، وَالْغَرِيمُ لَا يَثْبُتُ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْهُ عَلَى مَالٍ ثَبَتَ حَقُّهُ فِيهِ، وَنَفَذَ الصُّلْحُ مِنْ الْمَوْلَى عَلَى أَيِّ قَدْرٍ مِنْ الْبَدَلِ كَانَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ بَلْ فِيهِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمْ بِتَحْصِيلِ مَحَلٍّ هُوَ صَالِحٌ؛ لِإِيفَاءِ حَقِّهِمْ مِنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَقْتُلْ الْمَأْذُونَ، وَلَكِنْ قَتَلَ عَبْدًا لَهُ، وَلَا دَيْنَ عَلَى الْمَأْذُونِ فَعَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى دُونَ الْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ خَالِصُ مِلْكِ الْمَوْلَى، وَوِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ؛ وَلِأَنَّهُ خَرَجَ بِالْقَتْلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ مِمَّا يَتَمَكَّنُ هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ فِيهِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ، وَلَا فِي الْقِصَاصِ الْوَاجِبِ فَكَأَنَّ الْمَوْلَى أَخَذَهُ مِنْهُ فَيَكُونُ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ كَثِيرٌ أَوْ قَلِيلٌ فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنْ اجْتَمَعَ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْلَى، وَالْغُرَمَاءُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِيفَاءِ شَيْءٍ مِنْ كَسْبِهِ مَا بَقِيَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ قَلَّ الدَّيْنُ أَوْ كَثُرَ، فَلَا يَتَمَكَّنُ هُوَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بَدَلًا عَنْ كَسْبِهِ، وَالْغُرَمَاءُ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَالِيَّةِ، وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلِانْعِدَامِ الْمُسْتَوْفِي لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ بِأَصْلِ الْقَتْلِ لَا يَجِبُ، وَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى اسْتِيفَائِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ عَبْدِ الْمُضَارَبَةِ إذَا قَتَلَ وَفِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ اجْتَمَعَ الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَالِ عَلَى اسْتِيفَائِهِ؛ لِهَذَا الْمَعْنَى وَعَلَى الْقَاتِلِ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَمَّا لَمْ يَجِبْ؛ لِاشْتِبَاهِ الْمُسْتَوْفِي وَجَبَ الْمَالُ، وَوُجُوبُهُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَيَكُونُ مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَكِنَّهُ فِي مَالِ الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِعَمْدٍ مَحْضٍ فَلَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ إلَّا أَنْ تَبْلُغَ الْقِيمَةُ عَشَرَةَ آلَافٍ فَحِينَئِذٍ يَنْقُصُ مِنْهَا عَشَرَةٌ؛ لِأَنَّ بَدَلَ نَفْسِ الْمَمْلُوكِ بِالْجِنَايَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً، وَيَكُونُ ذَلِكَ لِغُرَمَاءِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَقْتُولِ، وَهُوَ مَحَلٌّ صَالِحٌ لِإِيفَاءِ حَقِّهِمْ مِنْهُ.

وَإِذَا جَنَى عَبْدٌ لِرَجُلٍ جِنَايَةً خَطَأً فَأَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ أَوْ لَا يَعْلَمُ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ لَمْ يَصِرْ الْمَوْلَى مُخْتَارًا وَيُقَالُ لَهُ ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ؛ لِأَنَّ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلُحُوقِ الدَّيْنِ إيَّاهُ لَا يَمْنَعُ دَفْعَهُ بِالْجِنَايَةِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّ ذَلِكَ بِالْجِنَايَةِ لَمْ يَمْنَعْ دَفْعَهُ بِهَا فَكَذَلِكَ إذَا اعْتَرَضَ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْمَوْلَى مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِاكْتِسَابِ سَبَبٍ يُعْجِزُهُ عَنْ الدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَا، وَلَمْ يُوجَدْ فَإِنْ دَفْعَهُ بِالْجِنَايَةِ اتَّبَعَهُ الْغُرَمَاءُ فَبِيعَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ صَارَتْ حَقًّا لِلْغُرَمَاءِ فَإِنْ فَدَاهُ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ بِالدَّيْنِ أَوْ بِيعَ فِي الدَّيْنِ رَجَعَ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَوْلَى بِقِيمَةِ الْعَبْدِ فَسُلِّمَتْ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا

<<  <  ج: ص:  >  >>