للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوجِبُ الْقَتْلِ، وَأَنَّ الْوَلِيَّ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا «، وَلَمَّا أُتِيَ بِالْقَاتِلِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْوَلِيِّ أَتَعْفُو فَقَالَ: لَا فَقَالَ أَتَأْخُذُ الدِّيَةَ فَقَالَ: لَا فَقَالَ الْقَتْلَ فَقَالَ نَعَمْ» فَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ الْوَلِيَّ يَسْتَبِدُّ بِأَخْذِ الدِّيَةِ كَمَا يَسْتَبِدُّ بِالْعَفْوِ، وَالْقَتْلِ.

وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا إتْلَافُ حَيَوَانٍ مُتَقَوِّمٍ فَيَكُونُ مُوجِبًا ضَمَانَ الْقِيمَةِ كَإِتْلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَقِيمَةُ النَّفْسِ الدِّيَةُ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَإِتْلَافُ الْمُقَوَّمِ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ يُوجِبُ الْقِيمَةَ، وَقِيمَةُ النَّفْسِ الدِّيَةُ بِدَلِيلِ حَالَةِ الْخَطَأِ فَإِنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْإِتْلَافِ لَا بِصِفَةِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ مُسْقِطٌ، وَالْمُتْلِفُ فِي حَالَةِ الْعَمْدِ مَا هُوَ الْمُتْلِفُ فِي حَالَةِ الْخَطَأِ، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ الْقِصَاصَ بِمَعْنَى الِانْتِقَامِ وَشِفَاءِ الصَّدْرِ لِلْوَلِيِّ، وَدَفْعِ الْغَيْظِ عَنْهُ فَكَانَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ، وَالْإِتْلَافُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا بِمُقَابَلَةِ الْإِتْلَافِ وَهُوَ لَيْسَ بِمِثْلٍ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْجَمَاعَةَ يُقْتَلُونَ بِالْوَاحِدِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْعَشَرَةِ وَالْوَاحِدِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِمَعْنَى زِيَادَةِ النَّظَرِ لِلْوَلِيِّ، وَذَلِكَ فِي أَنْ لَا يَسْقُطَ حَقُّهُ فِي الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ بَلْ يَكُونُ مُتَمَكِّنًا فِيهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ وَيَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءُ أَوْ نَاقِصَةٌ بِأُصْبُعٍ فَإِنَّ الْقِصَاصَ وَاجِبٌ، وَلِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ بِغَيْرِ رِضَا الْجَانِي لِهَذَا الْمَعْنَى؛ وَلِأَنَّ النَّفْسَ مُحْتَرَمَةٌ بِحُرْمَتَيْنِ، وَفِي إتْلَافِهَا هَتْكُ الْحُرْمَتَيْنِ جَمِيعًا حُرْمَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحُرْمَةِ حَقِّ صَاحِبِ النَّفْسِ وَجَزَاءُ حُرْمَةِ اللَّهِ الْعُقُوبَةُ زَجْرًا وَجَزَاءُ هَتْكِ حُرْمَةِ الْعَبْدِ الْغَرَامَةُ جَبْرًا.

وَلَكِنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا هَاهُنَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُوجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ حَتَّى يَعْمَلَ فِيهِ إسْقَاطُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ وَيَسْقُطُ بِإِذْنِهِ، وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ لِمُسْتَحِقٍّ وَاحِدٍ بِمُقَابَلَةِ مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَأَثْبَتْنَا الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ، وَقُلْنَا: إنْ شَاءَ مَالَ إلَى جَانِبِ هَتْكِ حُرْمَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتَوْفَى الْعُقُوبَةَ، وَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى جِهَةِ حُرْمَةِ حَقِّ الْعِبَادِ فَاسْتَوْفَى الدِّيَةَ.

وَلَا خِلَافَ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّمِ إذَا عَفَا أَنَّ لِلْآخَرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَالَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَالُ وَاجِبًا لَهُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ لَمَا وَجَبَ بِالْعَفْوِ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ مُسْقِطٌ، وَلَوْ وَجَبَ بِالْعَفْوِ لَوَجَبَ عَلَى الْعَافِي، وَإِنْ كَانَ مُحْسِنًا كَضَمَانِ الْإِعْتَاقِ يَجِبُ عَلَى الْمُعْتِقِ إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَلَمَّا وَجَبَ الْمَالُ لِلْآخَرِ عَلَى الْقَتْلِ عَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا بِنَفْسِ الْقَتْلِ، وَلَمَّا ظَهَرَ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَفْوِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْفُ فَكَذَلِكَ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْعَافِي إذَا عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ فَقُلْنَا: يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ الْمَالِ؛ وَلِأَنَّ الْقَاتِلَ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ أَدَاءِ الدِّيَةِ بَعْدَمَا اسْتَحَقَّتْ نَفْسُهُ قِصَاصًا مُلْقٍ نَفْسَهُ فِي التَّهْلُكَةِ، فَيَكُونُ مَمْنُوعًا شَرْعًا كَالْمُضْطَرِّ إذَا وَجَدَ طَعَامًا يَشْتَرِيهِ، وَمَعَهُ ثَمَنُهُ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ شِرَاؤُهُ شَرْعًا لِهَذَا الْمَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>