الْمِثْلُ إذَا أَمْكَنَ.
وَهَذَا لِأَنَّ ضَمَانَ الْمُتْلَفَاتِ مُقَدَّرٌ بِالْمِثْلِ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤]؛ وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمِثْلِ ظُلْمٌ عَلَى الْمُتَعَدِّي، وَفِي النُّقْصَانِ يَحْسُنُ بِالْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ، وَالشَّرْعُ إنَّمَا يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ، وَذَلِكَ بِالْمِثْلِ، إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: الدِّيَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ لِلْمُتْلِفِ، وَالْقِصَاصُ مِثْلٌ أَمَّا بَيَانُ أَنَّ الدِّيَةَ لَيْسَتْ بِمِثْلٍ؛ فَلِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ تُعْرَفُ صُورَةً أَوْ مَعْنًى، وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْمَالِ، وَالْآدَمِيِّ صُورَةً، وَلَا مَعْنًى، وَالنَّفْسُ مَخْلُوقَةٌ لِأَمَانَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالِاشْتِغَالِ بِطَاعَتِهِ؛ لِيَكُونَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، وَالْمَالُ مَخْلُوقٌ لِإِقَامَةِ مَصَالِحِ الْآدَمِيِّ بِهِ لِيَكُونَ مُبْتَذَلًا فِي حَوَائِجِهِ.
فَأَمَّا الْقِصَاصُ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ؛ فَلِأَنَّهُ قَتْلٌ بِإِزَاءِ قَتْلٍ وَإِزْهَاقُ حَيَاةٍ بِإِزْهَاقِ حَيَاةٍ، وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَالْمَقْصُودُ بِالْقَتْلِ لَيْسَ إلَّا الِانْتِقَامُ، وَالثَّانِي فِي مَعْنَى الِانْتِقَامِ كَالْأَوَّلِ، وَبِهَذَا سُمِّيَ قِصَاصًا ثُمَّ الْمِثْلُ وَاجِبٌ بِطَرِيقِ الْجَبْرِ، وَلَا يُجْعَلُ جُبْرَانُ الْحَيَاةِ بِالْمَالِ، وَإِنَّمَا جُبْرَانُ الْحَيَاةِ بِحَيَاةٍ مِثْلِهَا، وَذَلِكَ فِي الْقِصَاصِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى أَنَّ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةً فَعَلَيْنَا أَنْ نَعْقِدَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْقِصَاصِ عَقَلْنَاهُ أَوْ لَمْ نَعْقِلْهُ، ثُمَّ هُوَ مَعْقُولٌ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ حَيَاةٌ بِطَرِيقِ دَفْعِ سَبَبِ الْهَلَاكِ، وَلَكِنْ لِلْوَلِيِّ الَّذِي هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَقْتُولِ كَمَا أَنَّ الْمَالَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ إنَّمَا يَنْتَفِعُ بِهِ الَّذِي هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَقْتُولِ، وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى إثْبَاتِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ بِالْقِصَاصِ، وَهُوَ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ، وَلَا حَقَّ لِلْعَبْدِ إلَّا فِي الْمِثْلِ، فَأَمَّا أَجْزِيَةُ الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ فَتَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا حَاجَتُنَا إلَى أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ الْمَالَ لَيْسَ بِمِثْلٍ لِلنَّفْسِ وَقَدْ أَثْبَتنَا ذَلِكَ فَقُلْنَا: لَا يَجِبُ بِمُقَابَلَةِ النَّفْسِ الْمُتْلَفَةِ قَتْلًا إلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ بِتَعَذُّرِ إيجَابِ الْمِثْلِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْمَالُ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، وَهُوَ فِي حَالَةِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَاتِ الْمُعَجَّلَةِ فِي الدُّنْيَا، وَالْخَاطِئُ مَعْذُورٌ فَتَعَذَّرَ إيجَابُ الْمِثْلِ عَلَيْهِ، وَنَفْسُ الْمَقْتُولِ مُحَرَّمَةٌ لَا يَسْقُطُ جُزْءٌ مِنْهَا بِعُذْرِ الْخَاطِئِ فَوَجَبَ صِيَانَتُهَا عَنْ الْهَدَرِ فَأَوْجَبَ الشَّرْعُ الْمَالَ فِي حَالَةِ الْخَطَأِ لِصِيَانَةِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ عَنْ الْإِهْدَارِ لَا بِطَرِيقِ أَنَّهُ مِثْلٌ كَمَا أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ عَلَى الشَّيْخِ الْفَانِي عِنْدَ وُقُوعِ الْيَأْسِ بِهِ عَنْ الصَّوْمِ وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِطْعَامَ مِثْلُ الصَّوْمِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ اسْتِيفَاءِ مِثْلِ حَقِّهِ لَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الْمَالِ وَكَمَا ثَبَتَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْخَطَأِ قُلْنَا: فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ مَوَاضِعِ الْعَمْدِ بِتَحَقُّقِ هَذَا الْمَعْنَى نُوجِبُ هَذَا الْمَالَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَخْصُوصَ مِنْ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ يَلْحَقُ بِهِ مَا يَكُونُ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَالْأَبُ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا يَجِبُ الْمَالُ لِتَعَذُّرِ إيجَابِ الْقِصَاصِ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ.
وَإِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute