عَفَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ يَجِبُ لِلْآخَرِ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ، وَهُوَ أَنَّهُ حَتَّى يَقُصَّ نَفْسَهُ بِعَفْوِ الشَّرِيكِ فَكَانَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْخَطَأِ فَوَجَبَ الْمَالُ لِلْآخَرِ، وَلَا يَجِبُ لِلْعَافِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ عَلَى الْعَافِي بِإِسْقَاطِهِ مِنْ جِهَتِهِ لَا بِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ، ثُمَّ إقْدَامُ الْعَافِي عَلَى الْعَفْوِ يَكُونُ تَعْيِينًا مِنْهُ لِحَقِّهِ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ يُعْتَرَفُ فِيهِ بِالْإِسْقَاطِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَعْيِينِ حَقِّهِ فِيهِ، وَمَعَ تَعْيِينِ حَقِّهِ فِي الْقِصَاصِ لَا يَجِبُ لَهُ الْمَالُ.
وَإِذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إنَّمَا لَا نُوجِبُ الْمَالَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَى الْخَاطِئِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنْ تَعَذَّرَ إيجَابُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ فَلَوْ أَلْحَقْنَا هَذَا بِالْخَاطِئِ لِمَعْنَى التَّعَذُّرِ كَانَ قِيَاسًا، وَالْمَخْصُوصُ مِنْ الْقِيَاسِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِذَا كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءَ فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ هَاهُنَا عَاجِزٌ عَنْ اسْتِيفَاءِ مِثْلِ حَقِّهِ بِصِفَتِهِ لَا لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ بَلْ لِمَعْنًى فِي الْجَانِي فَإِنْ شَاءَ تَجَوَّزَ بِدُونِ حَقِّهِ، وَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى اسْتِيفَاءِ الْأَرْشِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَتْلَفَ عَلَى آخَرَ كُرَّ حِنْطَةٍ، وَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ إلَّا كُرًّا رَدِيئًا فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِدُونِ حَقِّهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُطَالِبَ بِالْقِيمَةِ؛ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمِثْلِ بِصِفَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْقَاطِعِ ظُلْمًا؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الِاسْتِيفَاءِ هَاهُنَا لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ فِي سَرِقَةٍ أَوْ قِصَاصٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَرْشُ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ هُنَاكَ فِي مَعْنَى الْقَائِمِ حُكْمًا حِينَ قَضَى بِهِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَيَكُونُ كَالسَّالِمِ لَهُ حُكْمًا فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ فِي مَعْنَى الْخَطَأِ، وَمَا قَالَ أَنَّ فِي النَّفْسِ حُرْمَتَيْنِ فَنَقُولُ فِي نَفْسِ الْقَاتِلِ حُرْمَتَانِ كَمَا فِي نَفْسِ الْمَقْتُولِ فَإِذَا أَوْجَبْنَا الْقِصَاصَ يَحْصُلُ بِهِ مُرَاعَاةُ الْحُرْمَتَيْنِ جَمِيعًا، ثُمَّ الْقِصَاصُ لَا يَجِبُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْحُرْمَتَيْنِ جَمِيعًا، وَإِذَا اعْتَبَرْنَاهُمَا لِإِيجَابِ الْقِصَاصِ لَا يَبْقَى حُرْمَةٌ أُخْرَى تُعْتَبَرُ لِإِيجَابِ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى الَّذِي قَالَهُ صَحِيحًا لَوَجَبَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا اسْتِيفَاءً كَمَنْ قَتَلَ صَيْدًا مَمْلُوكًا فِي الْحَرَمِ يَجْمَعُ بَيْنَ وُجُوبِ الْكَفَالَةِ؛ لِحُرْمَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَوُجُوبِ الضَّمَانِ لِحَقِّ الْمَالِكِ.
وَفِيمَا قَرَّرْنَا جَوَابٌ عَمَّا قَالَ: إنَّ الْقِصَاصَ وَاجِبٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى هُوَ الْقِصَاصُ عُلِمَ أَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ، وَاَلَّذِي قَالَ: إنَّهُ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ أَدَاءِ الدِّيَةِ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ فِي التَّهْلُكَةِ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ إلْقَاءَ النَّفْسِ فِي التَّهْلُكَةِ إنَّمَا كَانَ بِالْقَبِيلِ السَّابِقِ فَأَمَّا بِالِامْتِنَاعِ مِنْ أَدَاءِ الدِّيَةِ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ لِإِيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ، وَيَمْتَنِعُ مِنْ أَدَاءِ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ بِهِ مُلْقِيًا نَفْسَهُ فِي التَّهْلُكَةِ.
وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ: فَهُوَ مَا تَعَمَّدْت ضَرْبَهُ بِالْعَصَا أَوْ السَّوْطِ أَوْ الْحَجَرِ أَوْ الْيَدِ فَإِنَّ فِي هَذَا الْفِعْلَ مَعْنَيَيْنِ: الْعَمْدِ بِاعْتِبَارِ قَصْدِ الْفَاعِلِ إلَى الضَّرْبِ، وَمَعْنَى الْخَطَأِ بِاعْتِبَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute