فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا رُبُعُ الدِّيَةِ.
فَأَمَّا مَا يَكُونُ أَعْشَارًا فِي الْبَدَنِ كَالْأَصَابِعِ يَعْنِي أَصَابِعَ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ فَإِنَّ قَطْعَ أَصَابِعِ الْيَدِ يُوجِبُ كَمَالَ الدِّيَةِ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ تَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ، وَالْبَطْشُ بِدُونِ الْأَصَابِعِ لَا يَتَحَقَّقُ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عُشْرُ الدِّيَةِ هَكَذَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ»، وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا مَذْكُورٌ فِيمَا «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَفِيهَا: وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ»، وَهَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الِابْتِدَاءِ يَقُولُ فِي الْخِنْصَرِ سِتٌّ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْبِنْصِرِ تِسْعٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْوُسْطَى عَشْرٌ، وَفِي السَّبَّابَةِ، وَالْإِبْهَامِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ثُمَّ لَمَّا بَلَغَهُ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعَ إلَى الْحَدِيثِ فَقَالَ: الْأَصَابِعُ كُلُّهَا سَوَاءٌ.
وَاَلَّذِي تَبَيَّنَّاهُ فِي أَصَابِعِ الْيَدِ كَذَلِكَ فِي أَصَابِعِ الرِّجْلِ؛ لِأَنَّ فِي قَطْعِهَا تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ، وَمَنْفَعَةُ الْمَشْيِ كَمَنْفَعَةِ الْبَطْشِ، وَالصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ فِي أَعْضَائِهِ عُرْضَةً لِهَذِهِ الْمَنَافِعِ مَا لَمْ يُصِبْهَا آفَةٌ فَفِي تَفْوِيتِهَا تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ كَمَا فِي حَقِّ الْكَبِيرِ.
وَأَمَّا مَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَدَنِ فَهِيَ الْأَسْنَانُ يَجِبُ فِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ؛ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْأَنْيَابُ، وَالنَّوَاجِذُ، وَالضَّوَاحِكُ، وَالطَّوَاحِينُ وَمِنْ النَّاسِ مِنْ فَضَّلَ الطَّوَاحِينَ عَلَى الضَّوَاحِكِ لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ ثُمَّ إنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ فَفِي بَعْضِهَا زِيَادَةُ جَمَالٍ، وَالْجَمَالُ فِي الْآدَمِيِّ كَالْمَنْفَعَةِ حَتَّى قِيلَ: إذَا قَلَعَ جَمِيعَ أَسْنَانِهِ فَعَلَيْهِ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفًا؛ لِأَنَّ الْأَسْنَانَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ سِنًّا فَإِذًا الْوَاجِبُ فِي كُلٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ خَمْسُمِائَةٍ بَلَغَتْ الْجُمْلَةُ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَلَيْسَ فِي الْبَدَنِ جِنْسٌ يَجِبُ بِتَفْوِيتِهِ أَكْثَرُ مِنْ مِقْدَارِ الدِّيَةِ سِوَى الْأَسْنَانِ فَإِنْ قَلَعَ جَمِيعَ أَسْنَانِ الْكَوْسَجِ فَعَلَيْهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا؛ لِأَنَّ أَسْنَانَهُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، هَكَذَا حُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِزَوْجِهَا: يَا كَوْسَجُ: فَقَالَ إنْ كُنْت كَوْسَجًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَسُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ تُعَدُّ أَسْنَانُهُ فَإِنْ كَانَتْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَلَيْسَ بِكَوْسَجٍ، وَإِنْ كَانَتْ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ فَهُوَ كَوْسَجٌ.
قَالَ: وَبَلَغَنَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: فِي الرَّأْسِ إذَا حُلِقَ وَلَمْ يَنْبُتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَبِهَذَا أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَقَالَ إذَا حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِ إنْسَانٍ حَتَّى أَفْسَدَ الْمَنْبَتَ فَعَلَيْهِ كَمَالُ الدِّيَةِ الرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَكَذَلِكَ فِي اللِّحْيَةِ إذَا حُلِقَتْ فَلَمْ تَنْبُتْ كَمَالُ الدِّيَةِ عِنْدَنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute