الْوَلِيُّ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ شَاةٍ أَوْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ أَوْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ حُلَّةٍ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَافَ فِي الدِّيَةِ أُصُولٌ مُقَدَّرَةٌ عِنْدَهُ كَمَا هِيَ عِنْدَهُمَا.
قَالَ وَبَلَغَنَا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ فِي دِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ، وَمَا دُونَهَا وَبِهِ نَأْخُذُ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ هَكَذَا إلَّا فِي أَرْشِ الْمُوضِحَةِ، وَأَرْشِ السِّنِّ فَإِنَّهَا تَسْتَوِي فِي ذَلِكَ بِالرَّجُلِ، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ: إنَّهَا تُعَادِلُ الرَّجُلَ إلَى ثُلُثِ دِيَتِهَا يَعْنِي إذَا كَانَ الْأَرْشُ بِقَدْرِ ثُلُثِ الدِّيَةِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ فَالرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ فِيهِ سَوَاءٌ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَحِينَئِذٍ حَالُهَا فِيهِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ، وَبَيَانُهُ فِيمَا حُكِيَ عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَا تَقُولُ فِيمَنْ قَطَعَ أُصْبُعَ امْرَأَةٍ؟ قَالَ عَلَيْهِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ قُلْت فَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَيْنِ مِنْهَا؟ قَالَ: عَلَيْهِ عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ قُلْت فَإِنْ قَطَعَ ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ؟ قَالَ: عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ قُلْت فَإِنْ قَطَعَ أَرْبَعَةَ أَصَابِعَ مِنْهُ؟ قَالَ: عَلَيْهِ عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ قُلْت سُبْحَانَ اللَّهِ لَمَّا كَثُرَ أَلَمُهَا وَاشْتَدَّ مُصَابُهَا قَلَّ أَرْشُهَا قَالَ: أَأَعْرَابِيٌّ أَنْتَ فَقُلْت لَا بَلْ جَاهِلٌ مُسْتَرْشِدٌ أَوْ عَاقِلٌ مُسْتَفْتٍ فَقَالَ: إنَّهُ السُّنَّةُ.
فَبِهَذَا أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ: السُّنَّةُ إذَا أُطْلِقَتْ فَالْمُرَادُ بِهَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَرْوُونَ حَدِيثًا أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «تُعَادِلُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ» وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ رَبِيعَةُ فَإِنَّهُ لَوْ وَجَبَ بِقَطْعِ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ مِنْهَا ثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ مَا سَقَطَ بِقَطْعِ الْأُصْبُعِ الرَّابِعِ عَشْرٌ مِنْ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْقَطْعِ فِي إيجَابِ الْأَرْشِ لَا فِي إسْقَاطِهِ فَهَذَا مَعْنًى يُحِيلُهُ الْعَقْلُ ثُمَّ بِالْإِجْمَاعِ بَدَلُ نِصْفِهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ بَدَلِ نَفْسِ الرَّجُلِ، وَالْأَطْرَافُ تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ تَابِعَةً إذَا أَخَذْنَا حُكْمَهَا مِنْ حُكْمِ النَّفْسِ إلَّا إذَا أَفْرَدْنَاهَا بِحُكْمٍ آخَرَ، وَقَوْلُ سَعِيدٍ: إنَّهُ السُّنَّةُ يَعْنِي سُنَّةَ زَيْدٍ، وَقَدْ أَفْتَى كِبَارُ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِهِ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَوْا نَادِرٌ، وَمِثْلُ هَذَا الْحُكْمِ الَّذِي يُحِيلُهُ عَقْلُ كُلِّ عَاقِلٍ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالشَّاذِّ النَّادِرِ.
وَأَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَكَانَ يَقُولُ: فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي أَرْشِ السِّنِّ، وَالْمُوضِحَةِ اسْتِدْلَالًا بِمَا «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَنِينِ فَإِنَّهُ قَضَى بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قِيمَتُهَا خَمْسُمِائَةٍ» وَيُسَوِّي بَيْنَ الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ، وَبَدَلُ الْجَنِينِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ فَلِهَذَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَذَلِكَ أَرْشُ السِّنِّ، وَالْمُوضِحَةِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ فِي الْجَنِينِ: إنَّمَا قَضَى بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْوُقُوفُ عَلَى صِفَةِ الذُّكُورَةِ، وَالْأُنُوثَةِ فِي الْجَنِينِ خُصُوصًا إذَا لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ؛ وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ قَطْعِ السُّرِّ فَقَطْ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَهَاهُنَا الْوُجُوبُ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ، وَحَالُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute