للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَجْهَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِالْإِتْلَافِ فَاعْتَبَرْنَا الْأَكْثَرَ مِنْهُمَا فَجَعَلْنَا الْأَقَلَّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ، وَهُوَ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ فِي بَابِ الْأَرْشِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: أَرْشُ الْأُصْبُعِ مُقَدَّرٌ شَرْعًا، وَلَيْسَ لِلْكَفِّ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا، وَمَا لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ شَرْعًا يُجْعَلُ تَبَعًا لِمَا هُوَ مُقَدَّرٌ شَرْعًا، وَلِهَذَا جَعَلَ الْكَفَّ تَبَعًا لِجَمِيعِ الْأَصَابِعِ، وَهَذَا لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُقَدَّرَ شَرْعًا ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، وَمَا لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ فَهُوَ ثَابِتٌ بِالرَّأْيِ، وَالرَّأْيُ لَا يُعَارِضُ النَّصَّ، وَالْمَصِيرُ إلَى التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْقُوَّةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الرَّأْيِ، وَالتَّقْوِيمِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ لَا تَتَحَقَّقُ عِنْدَ إمْكَانِ إيجَابِ الْأَرْشِ الْمُقَدَّرِ بِالنَّصِّ وَسِوَى هَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: عَلَيْهِ أَرْشُ الْأُصْبُعِ، وَحُكُومَةُ الْعَدْلِ فِي الْكَفِّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ جَعْلَ الْكَفِّ تَبَعًا لِلْأَصَابِعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَعْنَى الْبَطْشِ يَكُونُ بِهِمَا، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْأُصْبُعِ الْوَاحِدِ، وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْأُصْبُعِ تَبَعًا لِلْكَفِّ؛ لِأَنَّ لِلْأُصْبُعِ أَرْشًا مُقَدَّرًا شَرْعًا فَلَا يَجُوزُ النُّقْصَانُ عَنْ ذَلِكَ بِالرَّأْيِ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ اتِّبَاعُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلًا فَيَجِبُ أَرْشُهُمَا، وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْأُصْبُعِ الْقَائِمَةِ، وَمَوْضِعُهَا مِنْ الْكَفِّ يَكُونُ تَبَعًا لَهُ وَيَلْزَمُهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْكَفِّ؛ لِأَنَّ الْأَصَابِعَ لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً كَانَ مَوْضِعُ كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ الْكَفِّ تَبَعًا لِذَلِكَ الْأُصْبُعِ فَعِنْدَ قِيَامِ الْبَعْضِ يُعْتَبَرُ الْبَعْضُ بِالْكُلِّ ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ إلَّا مَفْصِلٌ مِنْ أُصْبُعٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَرْشُ ذَلِكَ الْمَفْصِلِ وَيُجْعَلُ الْكَفُّ تَبَعًا لَهُ؛ لِأَنَّ أَرْشَ ذَلِكَ الْمَفْصِلِ مُقَدَّرٌ شَرْعًا، وَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْأَصْلِ فَإِنْ قَلَّ فَلَا حُكْمَ لِلتَّبَعِ كَمَا إذَا بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْخُطَّةِ مِنْ الْمَحَلَّةِ لَا يُعْتَبَرُ السُّكَّانُ.

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: إذَا كَانَ الْبَاقِي دُونَ أُصْبُعٍ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَقَلُّ، وَالْأَكْثَرُ فَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْأُصْبُعِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَأَمَّا أَرْشُ كُلِّ مَفْصِلٍ فَغَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا ذَلِكَ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِنَوْعِ رَأْيٍ، وَكَوْنُهُ أَصْلًا بِاعْتِبَارِ النَّصِّ فَإِذَا لَمْ يَرِدْ النَّصُّ فِي أَرْشِ مَفْصِلٍ وَاحِدٍ اعْتَبَرْنَا فِيهِ الْأَقَلَّ، وَالْأَكْثَرَ لِمَا بَيَّنَّا وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ.

قَالَ: وَفِي ثَدْيِ الرَّجُلِ حُكْمُ عَدْلٍ وَيُسَمَّى الثَّنْدُوَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ، وَلَا جَمَالٌ كَامِلٌ فَإِنَّهُ مَسْتُورٌ بِالثِّيَابِ عَادَةً لَكِنَّ فِيهِ بَعْضَ الْجَمَالِ، وَفِيمَا يَبْقَى مِنْ أَثَرِهِ بَعْدَ الْقَطْعِ بَعْضُ الشَّيْنِ فَيَجِبُ بِحُكْمِ عَدْلٍ بِاعْتِبَارِهِ.

وَفِي الْأُذُنِ إذَا يَبِسَتْ أَوْ انْخَسَفَتْ وَرُبَّمَا تَقُولُ: انْخَنَسَتْ حُكْمُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ لَا تَفُوتُ بِهِ وَهُوَ إيصَالُ الصَّوْتِ إلَى الصِّمَاخِ، وَكَذَلِكَ لَا يَفُوتُ بِهِ الْجَمَالُ كُلُّهُ بَلْ يَتَمَكَّنُ فِيهِ النُّقْصَانُ؛ لِأَجْلِهِ يَجِبُ حُكْمُ عَدْلٍ قَالَ: وَبَلَغَنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>