إلَّا خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا وَبِهِ نَأْخُذُ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْخَطَأِ يَبْلُغُ نِصْفَ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ نِصْفَ عُشْرِ دِيَةِ الْمَرْأَةِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فَهَذَا عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَمَا دُونَ ذَلِكَ فِي مَالِ الْجَانِي حَالًّا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا صُلْحًا، وَلَا اعْتِرَافًا، وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ» وَلِأَنَّ مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ فِي مَعْنَى ضَمَانِ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِاعْتِبَارِ التَّقْوِيمِ، وَهُوَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ شَرْعًا، وَضَمَانُ الْجِنَايَةِ إنَّمَا يُفَارِقُ ضَمَانَ الْمُتْلَفَاتِ فِي كَوْنِهِ مُقَدَّرًا شَرْعًا، وَأَدْنَى ذَلِكَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فَمَا دُونَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ حَالًّا فِي مَالِهِ، وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ فَمَا زَادَ عَلَيْهِ إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ يَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ أَخَذَ الْفَضْلَ فِي سَنَةٍ أُخْرَى إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثَيْنِ أَخَذَ ذَلِكَ الْفَضْلَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ فَرَضَ الْعَطَاءَ، وَجَعَلَ الدِّيَةَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ الثُّلُثَ فِي سَنَةٍ، وَالنِّصْفَ فِي سَنَتَيْنِ، وَالثُّلُثَيْنِ فِي سَنَتَيْنِ، وَقَدْ ثَبَتَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ التَّأْجِيلُ فِي جَمِيعِ الدِّيَةِ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَنَّهُ يَسْتَوْفِي كُلَّ ثُلُثٍ فِي سَنَةٍ، وَلَمَّا ثَبَتَ التَّأْجِيلُ فِي ثُلُثِ الدِّيَةِ سَنَةً وَاحِدَةً ثَبَتَ فِي أَبْعَاضِ ذَلِكَ الثُّلُثِ مِمَّا يَكُونُ فِي مَعْنَاهُ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ، وَكَذَلِكَ الثُّلُثُ الثَّانِي لَمَّا ثَبَتَ التَّأْجِيلُ فِي جَمِيعِهِ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ فَكَذَلِكَ فِي أَبْعَاضِهِ.
قَالَ: وَدِيَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ رِجَالُهُمْ كَرِجَالِهِمْ وَنِسَاؤُهُمْ كَنِسَائِهِمْ، وَكَذَلِكَ جِرَاحَاتُهُمْ وَجِنَايَاتُهُمْ بَيْنَهُمْ وَمَا دُونَ النَّفْسِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ مَعَاقِلُ يَتَعَاقَلُونَ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَعَاقِلُ فَفِي مَالِ الْجَانِي؛ وَهَذَا لِأَنَّهُمْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ الْتَزَمُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ فَيَثْبُتُ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنْ الْحِكْمَةِ مَا هُوَ ثَابِتٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَدِيَتُهُمْ مِثْلُ دِيَةِ أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَنَا، وَقَالَ مَالِكٌ: دِيَةُ الْكِتَابِيِّ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي قَوْلٍ آخَرَ: دِيَةُ الْكِتَابِيِّ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ اسْتِدْلَالًا بِالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْكُفَّارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: ٢٠] وَلِقَوْلِهِ {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: ١٨] وَقَالَ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» فَدَلَّ أَنَّ دِمَاءَ غَيْرِهِمْ لَا تُكَافِئُ دِمَاءَهُمْ، وَفِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَضَى فِي دِيَةِ الْكِتَابِيِّ بِثُلُثِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ»، وَفِي رِوَايَةٍ بِنِصْفِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى فِي دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ؛ وَلِأَنَّ نُقْصَانَ الْكُفْرِ فَوْقَ نُقْصَانِ الْأُنُوثَةِ، وَإِذَا كَانَتْ الدِّيَةُ تَنْقُصُ بِصِفَةِ الْأُنُوثَةِ فَبِالْكُفْرِ أَوْلَى، وَإِنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute