للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ وَبِصِفَةِ الْمَمْلُوكِيَّةِ يَصِيرُ مُتَبَدِّلًا إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: لَا تَأْثِيرَ لِلْكُفْرِ، وَعَدَمِ الْكِتَابِ فِي نُقْصَانِ الْمَالِكِيَّةِ فَتَسْتَوِي دِيَةُ الْكَافِرِ بِدِيَةِ الْمُسْلِمِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْإِحْرَازِ وَالْإِحْرَازُ يَكُونُ بِالدَّارِ لَا بِالدَّيْنِ، وَالْإِحْرَازُ بِالدَّيْنِ مِنْ حَيْثُ اعْتِقَادُ الْحُرْمَةِ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ نَعْتَقِدُهُ دُونَ مَا لَا نَعْتَقِدُ فَأَمَّا الْإِحْرَازُ بِقُوَّةِ أَهْلِ الدَّارِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ سَاوَوْا الْمُسْلِمِينَ فِي الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ وَلِهَذَا يَسْتَوِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي قِيمَةِ الْأَمْوَالِ فَكَذَلِكَ فِي قِيمَةِ النُّفُوسِ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْإِنَاثُ فَإِنَّهُمْ فِي الْإِحْرَازِ يُسَاوِينَ الذُّكُورَ، وَلَكِنْ تُنَصَّفُ الدِّيَةُ فِي حَقِّهِنَّ بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ الْمَالِكِيَّةِ وَلِأَنَّهُنَّ تِبَاعٌ فِي مَعْنَى الْإِحْرَازِ؛ لِأَنَّ النُّصْرَةَ لَا تَقُومُ بِهِنَّ وَقَصْدُنَا بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَقَدْ سَوَّيْنَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا، وَجِنَايَاتُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ، وَالْمَجْنُونِ عَمْدُهَا وَخَطَؤُهَا كُلُّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا بَلَغَتْ خَمْسَمِائَةٍ فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ فَفِي أَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الْخَمْسِمِائَةِ فِي مَعْنَى ضَمَانِ الْمَالِ، وَالْإِتْلَافُ الْمُوجِبُ لِلْمَالِ يَتَحَقَّقُ مِنْ هَؤُلَاءِ كَمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ فَأَمَّا الْخَمْسُمِائَةِ فَصَاعِدًا فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ الْعَمْدُ، وَالْخَطَأُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.

بَلَغَنَا أَنَّ مَجْنُونًا سَعَى عَلَى رَجُلٍ بِسَيْفٍ فَضَرَبَهُ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَجَعَلَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَقَالَ: عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ، وَهُوَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَفِي قَوْلِهِ الثَّانِي قَالَ: عَمْدُهُ عَمْدٌ حَتَّى تَجِبَ الدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ لُغَةً الْقَصْدُ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْخَطَأِ فَمَنْ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْخَطَأُ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْعَمْدُ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْقَصْدِ حُكْمَانِ: أَحَدُهُمَا: الْقَوَدُ، وَالْآخَرُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ حَالًّا، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ، وَهُوَ الْعُقُوبَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى الْخِطَابِ، وَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْحُكْمِ الْآخَرِ، وَهُوَ وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي مَالِهِ كَمَا فِي غَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ فِعْلِ السَّرِقَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمَانِ: أَحَدُهُمَا: عُقُوبَةٌ، وَهِيَ الْقَطْعُ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ، وَالْآخَرُ: غَرَامَةٌ وَهُوَ الضَّمَانُ، وَالصَّبِيُّ أَهْلٌ لِذَلِكَ فَيُسَوَّى بِالْبَالِغِ.

وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْعَمْدَ فِي بَابِ الْقَتْلِ مَا يَكُونُ مَحْظُورًا مَحْضًا وَلِهَذَا عَلَّقَ الشَّرْعُ بِهِ مَا هُوَ عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ؛ لِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ»، وَفِعْلُ الصَّبِيِّ لَا يُوصَفُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى الْخِطَابِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْعَمْدُ شَرْعًا فِي بَابِ الْقَتْلِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَمْدَ عِبَارَةٌ عَنْ قَصْدٍ مُعْتَبَرٍ فِي الْأَحْكَامِ شَرْعًا فَأَصْلُ الْقَصْدِ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْبَهِيمَةِ، وَلَا يُوصَفُ فِعْلُهَا بِالْعَمْدِيَّةِ، وَقَصْدُ الصَّبِيِّ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَالِحٍ لِبِنَاءِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ عَلَيْهِ فَاعْتِبَارُ قَصْدِهِ شَرْعًا فِيمَا يَنْفَعُهُ لَا فِيمَا يَضُرُّهُ، وَلِهَذَا كَانَ عَمْدُهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَطَأِ دُونَ خَطَأِ الْبَالِغِ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَ انْعَدَمَ مِنْهُ الْقَصْدُ مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>