للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ لِلْقَصْدِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا، وَفِي حَقِّ الصَّبِيِّ.

وَالْمَجْنُونِ انْعَدَمَتْ الْأَهْلِيَّةُ لِذَلِكَ ثُمَّ خَطَأُ الْبَالِغِ إنَّمَا كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِمَعْنَى النَّظَرِ، وَالتَّخْفِيفِ عَلَى الْقَاتِلِ بِعُذْرِ الْخَطَأِ، وَالصَّبِيُّ فِي ذَلِكَ أَقْوَى مِنْ صِفَةِ الْخَطَأِ؛ وَلِكَوْنِ فِعْلِ الصَّبِيِّ دُونَ خَطَأِ الْبَالِغِ فِي الْحُكْمِ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِالْقَتْلِ، وَلَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ عَلَى مَا يَأْتِيك بَيَانُهُ.

وَإِذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ بَطْنَ الْمَرْأَةِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ يَعْدِلُ ذَلِكَ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَالْغُرَّةُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ الْمَمْلُوكُ الْأَبْيَضُ وَمِنْهُ غُرَّةُ الْفَرَسِ وَهُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي عَلَى جَبِينِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أُمَّتِي غُرٌّ مُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ الْغُرَّةُ الْجَيِّدُ يُقَالُ: هُوَ غُرَّةُ الْقَبِيلَةِ أَيْ كَبِيرُ أَهْلِهَا ثُمَّ الْقِيَاسُ فِي الْجَنِينِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ إمَّا أَنْ لَا يَجِبَ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُعْرَفْ حَيَاتُهُ وَفِعْلُ الْقَتْلِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي مَحَلٍّ هُوَ حَيٌّ، وَالضَّمَانُ بِالشَّكِّ لَا يَجِبُ، وَلَا يُقَالُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ حَيٌّ أَوْ مُعَدٌّ لِلْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ حُجَّةٌ لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ بِهِ وَبِهَذَا لَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ إلَّا نُقْصَانُ الْأُمِّ إنْ تَمَكَّنَ فِيهَا نُقْصَانٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ.

وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الضَّارِبَ مَنَعَ حُدُوثَ مَنْفَعَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ فَيَكُونُ كَالْمُزْهِقِ لِلْحَيَاةِ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْبَدَلِ كَوَلَدِ الْمَغْرُورِ فَإِنَّهُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّهُ مَنَعَ حُدُوثَ الرِّقِّ فِيهِ ثُمَّ الْمَاءُ فِي الرَّحِمِ مَا لَمْ يَفْسُدْ فَهُوَ مُعَدٌّ لِلْحَيَاةِ فَيُجْعَلُ كَالْحَيِّ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ بِإِتْلَافِهِ كَمَا يُجْعَلُ بَيْضُ الصَّيْدِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ كَالصَّيْدِ فِي إيجَابِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ بِكَسْرِهِ، وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ حَدِيثُ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ كَمَا رَوَيْنَا وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خُوصِمَ إلَيْهِ فِي إمْلَاصِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاَللَّهِ هَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ شَيْئًا فَقَدِمَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَرَوَى حَدِيثَ الضَّرَّتَيْنِ فَقَالَ عُمَرُ مِنْ يَشْهَدُ مَعَك فَشَهِدَ مَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَقَدْ كِدْنَا أَنْ نَقْضِيَ مَا رَأَيْنَا فِيمَا فِيهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ قَضَى بِالْغُرَّةِ.

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فُلَيْحٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِي الْجَنِينُ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ» قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ ثُمَّ هَذِهِ الْآثَارُ دَلِيلٌ لَنَا عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تَتَقَدَّرُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْجَنِينِ بِالِاتِّفَاقِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَقَدْ قُدِّرَ ذَلِكَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَعَرَفْنَا أَنَّ جَمِيعَ الدِّيَةِ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا بَلْ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَوْجَبَ فِي الْجَنِينِ عَبْدًا أَوْ أَمَةً نَصَّ عَلَى مِقْدَارِ الْمَالِيَّةِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ، وَفِيهِ دَلِيلُ أَنَّ الْوَاجِبَ بَدَلُ نَفْسِ الْجَنِينِ، وَأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَبْدَالِ الْمُقَدَّرَةِ النُّفُوسُ، وَأَنَّ مَا يَجِبُ فِي بَدَلِ الْجَنِينِ بِمَنْزِلَةِ مَا يَجِبُ فِي بَدَلِ الْمُنْفَصِلِ حَيًّا؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>