عَلَى الْوَالِدَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا أَوْجَبُ.
فَكَذَلِكَ الْأَجْدَادُ، وَالْجَدَّاتُ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ لِمَعْنَى الْوِلَادَةِ، وَالْحُرِّيَّةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَقْتُولِ فَإِنْ كَانَ بِوَاسِطَةٍ فَالْقِصَاصُ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَعَمِلَتْ الشُّبْهَةُ فِيهِ عَمَلَ الْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ إذَا قَتَلَ وَالِدَهُ فَالْوَلَدُ مَا كَانَ سَبَبًا لِإِيجَادِ وَالِدِهِ، وَالْوَلَدُ يُقَابِلُ مَا عَلَيْهِ مِنْ مُرَاعَاةِ حُرْمَةِ الْوَالِدِ بِضِدِّهِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ إذَا قَتَلَ مَوْلَاهُ يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ، وَالْمَوْلَى إذَا قَتَلَ عَبْدَهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ مَنَعَ مَالِكٌ هَذَا بِغَيْرِ الْكَلَامِ فِيهِ فَنَقُولُ: لَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ إنَّمَا يَجِبُ لَهُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ عَبْدَهُ خَطَأً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ كَانَ الضَّمَانُ لِلْمَوْلَى فَإِذَا قَتَلَهُ الْمَوْلَى لَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى الْآبَاءِ، وَالْأَجْدَادِ الدِّيَةُ بِقَتْلِ الِابْنِ عَمْدًا فِي أَمْوَالِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ الدِّيَةُ حَالَّةً، وَإِنَّمَا لَا يَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ لِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا» يَعْنِي الْوَاجِبَ بِالْعَمْدِ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ الْأَصْلُ أَنَّ ضَمَانَ الْمُتْلَفِ يَكُونُ عَلَى الْمُتْلِفِ فِي مَالِهِ حَالًّا كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ إلَّا أَنَّ التَّأْجِيلَ فِي الدِّيَةِ عِنْدَ الْخَطَأِ ثَبَتَ لِلتَّخْفِيفِ عَلَى الْخَاطِئِ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ، وَالْعَامِدُ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ التَّخْفِيفَ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ حَالًّا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَمَّا كَانَ لِلتَّخْفِيفِ عَلَى الْقَاتِلِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِمَعْنَى الْجُبْرَانِ، وَحَقُّ صَاحِبِ النَّفْسِ فِي نَفْسِهِ كَانَ ثَابِتًا حَالًّا فَلَا جُبْرَانَ فِي حَقِّهِ إلَّا بِبَدَلٍ هُوَ حَالٌّ؛ وَلِأَنَّ الْقَوَدَ سَقَطَ شَرْعًا إلَى بَدَلٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْبَدَلُ حَالًّا، كَمَا لَوْ سَقَطَ بِالصُّلْحِ عَلَى مَالٍ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ مُسْتَقِيمٌ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ فِعْلَ الْأَبِ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ.
وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مَا وَجَبَ بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَيَكُونُ مُؤَجَّلًا كَمَا لَوْ وَجَبَ بِقَتْلِ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُتْلَفَ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يُضْمَنُ بِالْمَالِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا تَقَوُّمَ النَّفْسِ بِالْمَالِ شَرْعًا، وَالشَّرْعُ إنَّمَا قَوَّمَ النَّفْسَ بِدِيَةٍ مُؤَجَّلَةٍ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَالْمُؤَجَّلُ أَنْقُصُ مِنْ الْحَالِّ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي الْعُرْفِ يَشْتَرِي الشَّيْءَ بِالنَّسِيئَةِ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَشْتَرِي بِالنَّقْدِ فَإِيجَابُ الْمَالِ حَالًّا بِالْقَتْلِ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ مَعْنًى، وَكَمَا لَا يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْعَمْدِيَّةِ الزِّيَادَةُ فِي الدِّيَةِ عَلَى قَدْرِ الْحَالِّ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الزِّيَادَةِ فِيهِ وَصْفًا، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ التَّأْجِيلَ لَيْسَ لِمَعْنَى التَّخْفِيفِ عَلَى الْخَاطِئِ بَلْ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ النَّفْسِ شَرْعًا دِيَةٌ مُؤَجَّلَةٌ بِخِلَافِ الْإِيجَابِ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي قِيمَةِ النُّفُوسِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُسْتَوْفَاةً مِنْ الْعَاقِلَةِ أَوْ مِنْ الْقَاتِلِ فَكَانَ الْإِيجَابُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِمَعْنَى التَّخْفِيفِ عَلَى الْقَاتِلِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَالِ الْوَاجِبِ بِالصُّلْحِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute