للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِهَذَا لَا يَتَقَدَّرُ بِمِقْدَارٍ شَرْعًا حَتَّى لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ قَدْرًا جَازَ فَكَذَلِكَ إذَا الْتَزَمَهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ يَكُونُ ذَلِكَ حَالًّا بِمَنْزِلَةِ الْأَعْوَاضِ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ، وَإِنْ كَانَ الْوَالِدُ قَتَلَ وَلَدَهُ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ مَحْظُورٌ مَحْضٌ كَفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ.

، وَالْمَحْظُورُ الْمَحْضُ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَنَا عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فَإِنْ قِيلَ: فَأَيْنَ ذَهَبَ قَوْلُكُمْ: إنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ بِطَرِيقِ السُّكْرِ لَمَّا سَلَّمَ الشَّرْعُ لَهُ نَفْسَهُ فَأَسْقَطَ الْقَوَدَ عَنْهُ؟ فَقَدْ وُجِدَ هَذَا الْمَعْنَى هَاهُنَا وَقُلْتُمْ: بِأَنَّهُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ قُلْنَا: إسْقَاطُ الْقَوَدِ عَنْهُ شَرْعًا مَتَى كَانَ بِطَرِيقِ الْعُذْرِ لَهُ، وَالتَّخْفِيفِ عَلَيْهِ كَانَ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ، وَهَاهُنَا امْتِنَاعُ وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَيْهِ؛ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِيمَنْ يَجِبُ لَهُ لَا بِطَرِيقِ التَّخْفِيفِ وَالْعُذْرِ لِلْأَبِ فَبَقِيَ فِعْلُهُ حَرَامًا مَحْضًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَوْلَى قَتَلَ مَمْلُوكَهُ عَمْدًا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْوَلَدُ مَمْلُوكًا لِإِنْسَانٍ فَقَتَلَهُ أَبُوهُ عَمْدًا فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ لِلْمَوْلَى بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْمَقْتُولِ، فَإِنَّهُ يَنْزِلُ مِنْ الْمَمْلُوكِ مَنْزِلَةَ وَارِثِ الْحُرْمَةِ، فَإِذَا اشْتَرَكَ الرَّجُلَانِ فِي قَتْلِ رَجُلٍ أَحَدُهُمَا بِعَصًا، وَالْآخَرُ بِحَدِيدَةٍ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَكَذَا نُقِلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَتْلَ بِالْعَصَا لَا يُصْلَحُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ التَّأْدِيبُ، وَالْآلَةُ آلَةُ التَّأْدِيبِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ فِعْلِ الْخَاطِئِ، وَالْخَاطِئُ، وَالْعَامِدُ إذَا اشْتَرَكَا فِي الْقَتْلِ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَطَ الْمُوجِبُ بِغَيْرِ الْمُوجِبِ فِي الْمَحَلِّ فَقَدْ انْزَهَقَتْ الرُّوحُ عَقِيبَ فِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا لَيْسَ بِسَبَبٍ لِوُجُوبِ الْعُقُوبَةِ، وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ بِأَيِّ الْفِعْلَيْنِ أُزْهِقَ الرُّوحُ فَيُمْكِنُ الشُّبْهَةُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَالْقِصَاصُ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَبَعْدَ سُقُوطِ الْقِصَاصِ يَجِبُ الْمَالُ فَيَتَوَزَّعُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِإِضَافَةِ الْقَتْلِ إلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ.

وَلَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ الْقَتْلُ إلَى فِعْلِ مَنْ اسْتَعْمَلَ السِّلَاحَ فِيهِ؛ لِأَنَّ السِّلَاحَ آلَةٌ لِلْقَتْلِ دُونَ الْعَصَا؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَسْلَمُ مِنْ الْجُرْحِ بِالْحَدِيدِ، وَيَتْلَفُ مِنْ الضَّرْبِ بِالْعَصَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ جَرَحَهُ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا جِرَاحَةً وَاحِدَةً، وَالْآخَرُ عَشَرَةَ جِرَاحَاتٍ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ الْقَتْلُ مُضَافًا إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ لِهَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ يُجْعَلُ كَالْمُنْفَرِدِ بِهِ فَنِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى صَاحِبِ الْحَدِيدَةِ فِي مَالِهِ، وَنِصْفُهَا عَلَى صَاحِبِ الْعَصَا عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَاهُ بِسِلَاحٍ، وَأَحَدُهُمَا صَبِيٌّ أَوْ مَعْتُوهٌ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا عِنْدَنَا، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ يَجِبُ الْقَوَدُ قِيَاسًا عَلَى الْعَاقِلِ الْبَالِغِ بِنَاءً عَلَى قَوْلَيْنِ فِي عَمْدِ الصَّبِيِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

فَأَمَّا الْأَبُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>