للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ الْمَوْلَى مَعَ الْأَجْنَبِيِّ إذَا اشْتَرَكَا فِي قَتْلِ الْوَلَدِ، وَالْمَمْلُوكِ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا قَاتِلَاهُ عَمْدًا مَحْضًا مَضْمُونٌ فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْمُنْفَرِدِ بِهِ فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ عَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا أَوْ بِسُقُوطِ الْقَوَدِ عَنْ أَحَدِهِمَا؛ لِمَعْنًى يَخُصُّهُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ عَنْ الْآخَرِ كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ إذَا عَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا.

وَتَفْسِيرُ الْعَمْدِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلٍ يَتَرَتَّبُ عَلَى قَصْدٍ صَحِيحٍ إلَيْهِ، وَبِالْأُبُوَّةِ وَالْمِلْكِ لَا يَنْعَدِمُ الْقَصْدُ الصَّحِيحُ إلَى الْفِعْلِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ ضِدَّ الْعَمْدِ الْخَطَأُ فَإِذَا كَانَ الْخَطَأُ مَا يَكُونُ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْ الْفَاعِلِ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ عَرَفْنَا أَنَّ الْعَمْدَ مَا يَكُونُ عَنْ قَصْدٍ، وَعَلَى هَذَا نَقُولُ: يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى شَرِيكِ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّ لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ قَصْدًا صَحِيحًا فَكَانَ فِعْلُهُمَا عَمْدًا، وَلِلْعَمْدِ تَفْسِيرٌ آخَرُ فِي الْقَتْلِ شَرْعًا، وَهُوَ أَنَّهُ مَحْظُورٌ مَحْضٌ لَيْسَ فِيهِ الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِهِ شَرْعًا الْعُقُوبَةُ قَالَ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ»، وَلَا تَجِبُ الْعَقُوبَةُ إلَّا جَزَاءً عَلَى فِعْلٍ هُوَ مَحْظُورٌ مَحْضٌ، وَفِعْلُ الْأَبِ وَالْمَوْلَى مَحْظُورٌ مَحْضٌ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّ فِي حَقِّ الْأَبِ قَدْ انْضَمَّ إلَى ارْتِكَابِ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ مَعْنَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ.

وَفِي حَقِّ الْمَوْلَى انْضَمَّ إلَى الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ الْإِتْيَانُ بِضِدِّ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الْإِحْسَانِ إلَى الْمَمَالِيكِ، وَالْقَتْلُ لَا يَحِلُّ بِمِلْكِ الْمِلْكِيَّةِ بِحَالٍ فَلَا يَتَمَكَّنُ بِسَبَبِهِ شُبْهَةٌ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ شَرِبَ خَمْرَ نَفْسِهِ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْمِلْكِ فِي إبَاحَةِ شُرْبِ الْخَمْرِ فَلَا يَخْرُجُ الْفِعْلُ بِاعْتِبَارِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا مَحْضًا، وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى شَرِيكِ الصَّبِيِّ، وَالْمَعْتُوهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مَحْظُورٌ مَحْضٌ، وَفِي الْحَقِيقَةِ الْكَلَامُ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْأَبِ مُوجِبٌ لِقَوَدٍ عِنْدَهُ ثُمَّ سَقَطَ عَنْهُ الْقَوَدُ بِعَفْوِ الشَّرْعِ مِنْهُ عَنْ الْأَبِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَوَانِ السُّقُوطِ أَحَدُ الْقَاتِلَيْنِ مُتَمَيِّزٌ عَنْ الْآخَرِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ الْقَوَدِ شَرْعًا هُوَ الْعَمْدُ، وَثُبُوتُ الْحُكْمِ بِثُبُوتِ السَّبَبِ فَإِذَا كَانَتْ الْأُبُوَّةُ لَا تُوجِبُ نُقْصَانًا فِي السَّبَبِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا لَا يُسْتَوْفَى لِكَيْ لَا يَكُونَ الْوَلَدُ سَبَبَ إفْنَاءِ الْوَالِدِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْوَالِدُ سَبَبَ إيجَادِهِ، وَهَذَا فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ فَيَثْبُتُ الْوُجُوبُ حُكْمًا لِلسَّبَبِ ثُمَّ يَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ؛ لِهَذَا الْمَعْنَى فَيَسْقُطُ شَرْعًا.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ عِنْدَكُمْ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْوَالِدِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ لَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِهِ، وَإِنَّ الْأَبَ لَوْ قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا كَانَ الْوَلَدُ شَهِيدًا لَا يُغَسَّلُ، وَإِنَّمَا لَا يُغَسَّلُ إذَا كَانَ الْقَتْلُ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْمَالِ بِنَفْسِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْخَاطِئِ مَعَ الْعَامِدِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْخَاطِئِ غَيْرُ مُوجِبٍ فَاخْتَلَطَ الْمُوجِبُ بِغَيْرِ الْمُوجِبِ فِي الْمَحَلِّ فَيُمْكِنُ الشُّبْهَةُ لِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>