يُقَرِّرُهُ: أَنَّ الْخَطَأَ مَعْنًى فِي الْفِعْلِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يُوصَفُ الْفِعْلُ بِهِ فَيُقَالُ: قَتْلُ خَطَأٍ، وَقَدْ اجْتَمَعَ الْفِعْلَانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَأَمَّا الْأُبُوَّةُ فَمَعْنًى فِي الْفَاعِلِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْفَاعِلَ يُوصَفُ بِهِ فَيُقَالُ أَبٌ قَاتِلٌ فَأَحَدُ الْفَاعِلَيْنِ مُتَمَيِّزٌ عَنْ الْآخَرِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْقَتْلَ ثَمَّ مُوجِبٌ لِلدِّيَةِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ كَالْخَاطِئِ مَعَ الْعَامِدِ إذَا اشْتَرَكَا، وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْأَبِ بِهَذَا الْفِعْلِ الدِّيَةُ لَا غَيْرُ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُسْتَوْفَى مِنْهُ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِالْوُجُوبِ الِاسْتِيفَاءُ فَإِذَا كَانَ لَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ إلَّا الدِّيَةُ عَرَفْنَا أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلدِّيَةِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ هُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ فِي قَتْلِ الْأَبِ دُونَ الْقِصَاصِ أَنَّ السَّبَبَ لَا يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِحُكْمِهِ إلَّا فِي مَحَلٍّ صَالِحٍ لَهُ، وَبَعْدَ صَلَاحِيَّةِ الْمَحَلِّ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْحُكْمِ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْأَهْلِيَّةِ فِيمَنْ يَجِبُ لَهُ، وَفِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْإِتْلَافَ كَمَا لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ بِدُونِ مَحَلٍّ صَالِحٍ لَهُ، وَهُوَ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ لَا يَكُونُ مُوجِبًا بِدُونِ الْأَهْلِيَّةِ فِيمَنْ يَجِبُ لَهُ، وَفِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ حَتَّى إنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَتْلَفَ مَالَ مُسْلِمٍ لَا أَمَانَ لَهُ أَوْ الْحَرْبِيُّ إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْمُسْلِمِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ، وَالْبَيْعُ كَمَا لَا يَنْعَقِدُ شَرْعًا إلَّا فِي مَحَلٍّ صَالِحٍ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الْأَهْلِيَّةِ فِيمَنْ يُبَاشِرُهُ.
إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: الْعَمْدُ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ بِشَرْطِ الْأَهْلِيَّةِ فِيمَنْ يَجِبُ لَهُ وَعَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي قَتْلِ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ، وَلَا فِي قَتْلِ الْأَبِ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِيمَنْ تَجِبُ لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَجِبَ لَهُ الْقَتْلُ عَلَى وَالِدِهِ؛ لِأَنَّ فِي الْإِيجَابِ اسْتِحْقَاقَ نَفْسِهِ شَرْعًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ أَهْلًا لِمُبَاشَرَةِ إتْلَافِهِ حَقِيقَةً بِصِفَةِ الْإِبَاحَةِ لَا يَكُونُ أَهْلًا لِاسْتِحْقَاقِ إتْلَافِهِ شَرْعًا، فَلَا يَكُونُ فِعْلُهُ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ وَلِهَذَا كَانَ مُوجِبًا الدِّيَةَ الْمُغَلَّظَةَ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِيمَنْ يَجِبُ لَهُ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الدِّيَةِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ انْعِدَامَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِيمَنْ تَجِبُ لَهُ الشُّبْهَةُ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا، وَفِي غُسْلِهِ رِوَايَتَانِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ مُوجِبٌ لِلْمَالِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِيمَنْ تَجِبُ لَهُ وَذَلِكَ لَا يَتَعَدَّى إلَى حُكْمِ الْغُسْلِ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَرِثُ الْقِصَاصَ عَلَى أَبِيهِ حَتَّى يَسْقُطَ وَبِدُونِ الْأَهْلِيَّةِ لَا يَجِبُ الْحَقُّ لِلْوَارِثِ قُلْنَا: هَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِإِيجَابِ الْقَوَدِ عَلَى الْأَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِهِ حُكْمًا، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْوَارِثَةِ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ الْحُكْمِيَّ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ أَنْ يَرِثَهُ الْوَلَدُ بَلْ فِي ثُبُوتِ الْإِرْثِ لِلْوَلَدِ إحْيَاءٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute