لِلْأَبِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْقَوَدُ إذَا وَرِثَهُ الِابْنُ، وَلَا يَسْقُطُ إذَا لَمْ يَرِثْهُ وَهُوَ نَظِيرُ الْوَلَدِ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَرِقُّ وَالِدَهُ ثُمَّ يَشْتَرِي وَالِدَهُ الْمَمْلُوكَ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأُبُوَّةَ لَوْ طَرَأَتْ عَلَى قِصَاصٍ مُوجِبٍ أَسْقَطَتْهُ، وَإِذَا اقْتَرَنَتْ بِالسَّبَبِ دَفَعَتْ الْوُجُوبَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الشَّيْءِ فِي الْحُكْمِ مُقْتَرِنًا بِالسَّبَبِ أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِهِ طَارِئًا عَلَى السَّبَبِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِعْلَ الْأَبِ غَيْرُ مُوجِبٍ عَرَفْنَا أَنَّهُ اخْتَلَطَ الْمُوجِبُ بِغَيْرِ الْمُوجِبِ فِي الْمَحَلِّ فَكَانَ كَالْخَاطِئِ مَعَ الْعَامِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَفَا عَنْ أَحَدِ الْقَاتِلَيْنِ.
وَقَوْلُهُ: الْأُبُوَّةُ مَعْنًى فِي الْفَاعِلِ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْفَاعِلِ فَقَدْ تَعَدَّى إلَى الْفِعْلِ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا فَهُوَ نَظِيرُ الْخَطَأِ فِي الْفَاعِلِ بِأَنْ رَمَى إلَى إنْسَانٍ يَظُنُّهُ كَافِرًا، وَهُوَ مُسْلِمٌ فَإِنَّ الْخَطَأَ هَاهُنَا بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِي الْفَاعِلِ وَلَكِنْ لَمَّا تَعَدَّى إلَى الْفِعْلِ صَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي حَقِّ شَرِيكِهِ فِي الْفِعْلِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ مُسْلِمَيْنِ لَوْ رَمَيَا إلَى صَيْدِ أَحَدُهُمَا بِسَهْمٍ، وَالْآخَرُ بِبُنْدُقِيَّةٍ لَمْ يَحِلَّ تَنَاوُلَ الصَّيْدِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَى مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ إلَى الصَّيْدِ، وَفِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ الْحُرْمَةُ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِي الْفِعْلِ وَفِي الْمُوضَعِ الْآخَرِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِي الْفَاعِلِ، وَهُوَ كَوْنُهُ مَجُوسِيًّا لَكِنْ لَمَّا تَعَدَّى إلَى الْفِعْلِ الْتَحَقَ بِالْمَعْنَى الَّذِي هُوَ فِي الْفِعْلِ فِي إيجَابِ الْحُرْمَةِ فَهَذَا مِثْلُهُ.
وَلَوْ اشْتَرَكَ عَشَرَةُ رَهْطٍ فِي قَتْلِ رَجُلٍ خَطَأً كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ لِصِيَانَةِ الْمَحَلِّ عَنْ الْهَدَرِ فَالْمَحَلُّ وَاحِدٌ وَبِإِيجَابِ دِيَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَيْهِمْ يُتِمُّ مَعْنَى الصِّيَانَةِ، ثُمَّ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مِمَّا هُوَ مُؤَجَّلٌ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَهُوَ بَدَلُ النَّفْسِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى عَشَرَةُ نَفَرٍ شَيْئًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فَإِنَّهُ ثَبَتَ تَمَامُ الْأَجَلِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ ثُلُثٍ مِنْ بَدَلِ النَّفْسِ مُؤَجَّلٌ فِي سَنَةٍ، وَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُ كُلِّ ثُلُثٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ عَلَى بَعْضِهِمْ مِنْ الثُّلُثِ الَّذِي هُوَ مُؤَجَّلٌ إلَى سَنَةٍ أَوْ مِنْ الثُّلُثِ الثَّانِي خَاصَّةً.
وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ بِقَتْلِ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ مَا يَجِبُ بِالِاعْتِرَافِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَلَا اعْتِرَافًا»؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ خَبَرٌ مُتَمَثِّلٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، فَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الصِّدْقِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ خَاصَّةً؛ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فَأَمَّا فِي حَقِّ عَاقِلَتِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَذِبِ، وَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ فِي الِالْتِزَامِ قَوْلًا دُونَ عَاقِلَتِهِ، وَكُلُّ جِنَايَةِ عَمْدٍ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا يُسْتَطَاعُ فِيهَا الْقِصَاصُ أَوْ شِبْهُ عَمْدٍ فَالْأَرْشُ فِي مَالِ الْجَانِي مُغَلَّظًا أَمَّا فِي الْعَمْدِ فَلَا يُشْكِلُ، وَأَمَّا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فَلِأَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي النَّفْسِ خَاصَّةً فَإِنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، وَإِنَّمَا وَرَدَ النَّصُّ بِهِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute