الشَّرْعُ مَا أَمَرَنَا بِالِانْتِظَارِ إضْرَارًا بِالْمَضْرُوبِ فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَنَّهُ حَادِثٌ بِتِلْكَ الضَّرْبَةِ لَرَجَعَ ذَلِكَ إلَى الْإِضْرَارِ بِهِ، وَلَوْ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَصَارَتْ مُنَقِّلَةً فَقَالَ الْمَضْرُوبُ: صَارَتْ مُنَقِّلَةً مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ: الضَّارِبُ حَدَّثَتْ فِيهَا مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّارِبِ بِخِلَافِ السِّنِّ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِحْسَانِ؛ لِأَنَّ هَاهُنَا فِعْلُ الضَّارِبِ إنَّمَا عَمِلَ فِي اللَّحْمِ دُونَ الْعَظْمِ، وَالْمُنَقِّلَةُ مَا يَكُونُ عَامِلًا فِي الْعَظْمِ فَالضَّارِبُ يُنْكِرُ فِعْلَهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي الْمَحَلِّ لَا يُؤَثِّرُ فِعْلًا آخَرَ إلَّا نَادِرًا.
فَأَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَإِنَّ مَا اسْوَدَّتْ السِّنُّ الَّتِي حَلَّتْ الضَّرْبَةُ بِهَا فَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِلْمَضْرُوبِ هُنَاكَ، وَإِذَا قَلَعَ الرَّجُلُ سِنَّ رَجُلٍ أَوْ صَبِيٍّ ثُمَّ نَبَتَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَالِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِفِعْلِهِ أَثَرٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: يَلْزَمُهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ بِاعْتِبَارِ الْأَلَمِ الَّذِي لَحِقَهُ، وَكَذَلِكَ الظُّفْرُ إذَا قَلَعَهُ فَنَبَتَ فَلَيْسَ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَلَا أَرْشٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِيهِ أَثَرٌ، وَإِنْ نَبَتَتْ السِّنُّ سَوْدَاءَ فَفِيهَا أَرْشٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْمَقْلُوعَةِ فَكَأَنَّ الْأُولَى بَاقِيَةٌ قَدْ اسْوَدَّتْ، وَإِنْ نَبَتَ الظُّفْرُ أَغَوْرَ وَمُتَغَيِّرًا فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ بِمَنْزِلَةِ الْأَوَّلِ لَوْ أَغْوَرَ بِالضَّرْبَةِ أَوْ تَغَيَّرَ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الظُّفْرِ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ فِيهِ مُجَرَّدُ الْجَمَالِ فَإِذَا اسْوَدَّ أَوْ تَغَيَّرَ يُنْتَقَصُ مَعْنَى الْجَمَالِ، وَلَا يَكُونُ السَّوَادُ فِي الظُّفْرِ دَلِيلُ مَوْتِ الظُّفْرِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي أَنْوَاعِ بَنِي آدَمَ مَنْ يَكُونُ ظُفْرُهُمْ أَسْوَدَ خِلْقَةً حَتَّى قَالُوا: إذَا كَانَ الْمَضْرُوبُ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَقَصُ فِي حَقِّهِ مَعْنَى الْجَمَالِ قَالَ: وَإِذَا قَلَعَ الرَّجُلُ سِنَّ رَجُلٍ خَطَأً فَأَخَذَ الْمَقْلُوعُ سِنَّهُ فَأَثْبَتَهَا مَكَانَهَا فَثَبَتَتْ فَعَلَى الْقَالِعِ أَرْشُهَا؛ لِأَنَّهَا، وَإِنْ ثَبَتَتْ لَا تَصِيرُ كَمَا كَانَتْ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهَا لَا تَتَّصِلُ بِعُرُوقِهَا، وَلِهَذَا جَعَلَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تِلْكَ السِّنَّ كَالْمَيِّتَةِ حَتَّى قَالَ: إذَا كَانَتْ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ مَعَهَا، وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ مَا إذَا أَثْبَتَ فِي مَوْضِعِهَا سِنَّ نَفْسِهِ أَوْ سِنَّ غَيْرِهِ فِي حُكْمِ جَوَازِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ: بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَلَا يَحْضُرُنِي، وَكَذَلِكَ الْأُذُنُ إذَا أَعَادَهَا إلَى مَكَانِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ الْتَصَقَتْ فَأَمَّا إذَا ابْيَضَّتْ الْعَيْنُ مِنْ ضَرْبَةِ رَجُلٍ ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ مِنْهَا فَأَبْصَرَ فَلَيْسَ عَلَى الضَّارِبِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْأَلَمُ الَّذِي لَحِقَهُ بِالضَّرْبَةِ وَبِاعْتِبَارِهَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْأَثَرِ فِي الْمَحَلِّ، وَلَمْ يَبْقَ، وَلَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً خَطَأً فَسَقَطَ مِنْهَا شَعْرُ رَأْسِهِ كُلُّهُ فَلَمْ يَنْبُتْ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ تَامَّةً لِإِفْسَادِ الْمَنْبَتِ، وَيَدْخُلُ أَرْشُ الشَّجَّةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّ الشَّجَّةَ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ بِنَفْسِهَا، وَكَذَلِكَ إفْسَادُ مَنْبَتِ الشَّعْرِ جِنَايَةٌ عَلَى حِدَةٍ، وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute