تَدْخُلُ فِي أَرْشِ الْجِنَايَاتِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ وُجُوبُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ بِاعْتِبَارِ ذَهَابِ الشَّعْرِ دَلِيلُ أَنَّهُ لَوْ نَبَتَ الشَّعْرُ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَاسْتَوَى كَمَا كَانَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَإِذَا وَجَبَ كَمَالُ بَدَلِ النَّفْسِ بِاعْتِبَارِ ذَهَابِ الشَّعْرِ لَا يَجِبُ مَا دُونَهُ بِاعْتِبَارِهِ أَيْضًا فَإِنْ كَانَ ذَهَبَ مِنْ الشَّعْرِ بَعْضُهُ فَعَلَى الْجَانِي الْأَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ الشَّعْرِ وَمِنْ أَرْشِ الشَّجَّةِ، وَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْأَكْثَرِ يَتَحَقَّقُ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ مَعْنًى كَمَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي الْحَاجِبِ فَإِنَّ الْمُوضِحَةَ فِي الْوَجْهِ، وَالرَّأْسِ سَوَاءٌ، وَالْآمَّةُ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الرَّأْسِ أَوْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَّصِلُ بِالدِّمَاغِ مِنْ الْوَجْهِ، وَالْجَائِفَةُ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الظَّهْرِ، وَالْبَطْنِ، وَالْجَنْبِ أَوْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَّصِلُ بِالْجَوْفِ حَتَّى لَوْ جَرَحَهُ بَيْنَ ذَكَرِهِ وَدُبُرِهِ جِرَاحَةً وَاصِلَةً إلَى جَوْفِهِ تَكُونُ جَائِفَةً فَأَمَّا فِي الْفَخِذِ، وَالْعَضُدِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْجَائِفَةُ، وَكَذَلِكَ فِي الْعُنُقِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ إذَا وَصَلَتْ الْجِرَاحَةُ إلَى مَوْضِعٍ يَحْصُلُ الْفِطْرُ لِلصَّائِمِ بِوُصُولِ الْمُفْطِرِ إلَيْهِ تَكُونُ جَائِفَةً، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْصُلُ لَهُ الْفِطْرُ بِوُصُولِ الْمُفْطِرِ إلَيْهِ لَا تَكُونُ جَائِفَةً، وَلَوْ شَجَّهُ فَذَهَبَ مِنْ ذَلِكَ عَقْلُهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ بِاعْتِبَارِ ذَهَابِ الْعَقْلِ وَيَدْخُلُ فِيهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَدْخُلُ لِاخْتِلَافِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ مَحَلَّ الْمُوضِحَةِ غَيْرُ مَحَلِّ الْعَقْلِ بِخِلَافِ الشَّعْرِ مَعَ الْمُوضِحَةِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: ذَهَابُ الْعَقْلِ فِي مَعْنَى تَبْدِيلِ النَّفْسِ، وَإِلْحَاقِهِ بِالْبَهَائِمِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ وَلَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ كَمَالُ الدِّيَةِ وَدَخَلَ فِيهِ أَرْشُ الشَّجَّةِ.
فَأَمَّا إذَا ذَهَبَ مِنْ الشَّجَّةِ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ كَلَامُهُ يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ الشَّجَّةِ فِي ذَلِكَ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: وَفِي السَّمْعِ، وَالْكَلَامِ يَدْخُلُ أَرْشُ الشَّجَّةِ فِي الدِّيَةِ، وَفِي الْبَصَرِ لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّ الْبَصَرَ ظَاهِرٌ كَالْمُوضِحَةِ فَقَدْ يُبَايِنُ الْمَحَلَّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَأَمَّا السَّمْعُ وَالْكَلَامُ فَمَعْنًى بَاطِنٌ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْلِ فَكَمَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ الْوَاجِبَةِ بِإِذْهَابِ الْعَقْلِ فَكَذَلِكَ فِيمَا تَجِبُ بِإِذْهَابِ السَّمْعِ وَالْكَلَامِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: مَحَلُّ السَّمْعِ غَيْرُ مَحَلِّ الشَّجَّةِ، وَكَذَلِكَ مَحَلُّ الْكَلَامِ وَبِتَفْوِيتِهِمَا لَا تَتَبَدَّلُ النَّفْسُ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ لِتَفْوِيتِ مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ مِنْهُمَا فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ ذَهَابِ الْبَصَرِ بِالشَّجَّةِ، فَإِنْ ذَهَبَ بِالشَّجَّةِ الْعَقْلُ، وَالسَّمْعُ، وَالْكَلَامُ، وَالْبَصَرُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْبَعُ دِيَاتٍ.
وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى عَلَى رَجُلٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ، وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَيٌّ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا، وَلَوْ مَاتَ مِنْ الشَّجَّةِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؟ وَبِمَوْتِهِ فَاتَتْ هَذِهِ الْمَنَافِعُ ثُمَّ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَبِفَوَاتِ هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute