رُوِيَ أَنَّهُ فِي الْجَمَلِ وَصِفِّينَ كَانَ يَقُومُ أَهْلُ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ أَحَدِ الصَّفَّيْنِ بِمُقَاتَلَةِ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ مِنْ الصَّفِّ الْآخَرِ، ثُمَّ الْأَخْذُ مِنْ الْعَاقِلَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إلَى الْإِجْحَافِ بِهِمْ وَذَلِكَ فِي أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ الْقَدْرُ الَّذِي سُمِّيَ، فَإِنْ لَمْ يَسَعْ دِيوَانُ أُولَئِكَ الْقَوْمِ ضَمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبَ الْقَبَائِلِ إلَيْهِمْ فِي النَّسَبِ حَتَّى لَا يَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ أَرْبَعَةٌ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ النِّسَاءُ، وَالذَّرَارِيُّ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لَا تَقُومُ النُّصْرَةُ بِهِمْ وَتَمَامُ بَيَانِ هَذَا الْكَلَامِ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ، وَالْقَبَائِلِ.
وَاَلَّذِي حَلَفَ فِي الْقَسَامَةِ وَاَلَّذِي لَمْ يَقْبَلْ، وَلَمْ يَشْهَدْ فِي ذَلِكَ كُلٌّ سَوَاءٌ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَعْطِيَاتِهِمْ، وَقَدْ اسْتَوَى فِي الْأَعْطِيَاتِ مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ، وَمَنْ غَابَ، وَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَنْ كَانَ غَائِبًا، وَمَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي الْقَسَامَةِ سَوَاءٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: مَنْ عَلِمْتُ أَنَّهُ كَانَ غَائِبًا حِينَ وَقَعَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ لَا أُدْخِلُهُ فِي الْقَسَامَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ تُهْمَةِ الْقَتْلِ شَيْءٌ وَلَمْ يَكُنْ قَائِمًا فِي حِفْظِ الْمَحَلَّةِ، وَالتَّدْبِيرِ فِيهَا حِين وَقَعَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ السَّبَبَ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَا تُهْمَةُ الْقَتْلِ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ، وَالْمَشَايِخَ وَصَالِحِي أَهْلِ الْمَحَلَّةِ يَحْلِفُونَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ مِنْ تُهْمَةِ الْقَتْلِ شَيْءٌ وَهَذَا السَّبَبُ لَا يَنْعَدِمُ بِكَوْنِهِ غَائِبًا عَنْ الْمَحَلَّةِ.
، وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ، أَوْ سِكَّتَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَقْرَبَ كَانَ عَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ قَتِيلًا وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ أَنْ يُمْسَحَ بَيْنَهُمَا فَوُجِدَ إلَى إحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ أَقْرَبُ بِشِبْرٍ فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالْقَسَامَةِ، وَالدِّيَةِ»، وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ بَيْنَ وَدَاعَةَ وَأَرْحَبَ أَمَرَ بِأَنْ يُقَاسَ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ وَكَانَ إلَى وَدَاعَةَ أَقْرَبَ فَجَعَلَهَا عَلَيْهِمْ وَلِأَنَّ مَنْ يَقْرَبُ مِنْ مَوْضِعٍ، فَهُوَ أَحَقُّ بِحِفْظِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَالتَّدْبِيرُ فِيهِ مِمَّنْ يَكُونُ أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَإِنْ نَكَلُوا عَنْ الْيَمِينِ حُبِسُوا حَتَّى يَحْلِفُوا؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ فِي الْقَسَامَةِ حَقٌّ مَقْصُودٌ لِتَعْظِيمِ أَمْرِ الدَّمِ، وَمَنْ لَزِمَهُ حَقٌّ مَقْصُودٌ لَا تَجْرِي النِّيَابَةُ فِي إيفَائِهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ لِيُوَفِّيَ كَمَا كَلِمَاتُ اللِّعَانِ.
وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي قَرْيَةٍ أَصْلُهَا لِقَوْمٍ شَتَّى فِيهِمْ الْمُسْلِمُ، وَالْكَافِرُ، فَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ الْمُسْلِمُ مِنْهُمْ، وَالْكَافِرُ فِيهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوْجَبَ الْقَسَامَةَ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ وَكَانُوا مِنْ الْيَهُودِ»، ثُمَّ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الدِّيَةَ فَمَا أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ وَمَا أَصَابَ أَهْلَ الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ مَعَاقِلُ فَعَلَيْهِمْ وَإِلَّا فَفِي أَمْوَالِهِمْ كَمَا لَوْ بَاشَرُوا بِأَيْدِيهِمْ الْقَتْلَ خَطَأً.
، وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي قَبِيلَةٍ بِالْكُوفَةِ وَفِيهَا سُكَّانٌ وَفِيهَا مَنْ قَدْ اشْتَرَى مِنْ دُورِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute