للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا يَقُومُونَ بِحِفْظِهِ، وَالتَّدْبِيرِ فِيهِ إلَّا بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ، ثُمَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مُعَدٌّ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَدِيَةُ الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِيهِ تَكُونُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ.

وَلَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ رَجُلٍ قَدْ اشْتَرَاهَا، وَهُوَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْخُطَّةِ فَأَهْلُ الْخُطَّةِ بُرَآءُ مِنْ ذَلِكَ، وَالْقَسَامَةُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ وَعَلَى قَوْمِهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي حِفْظِ الْمِلْكِ الْخَاصِّ إلَى الْمَالِكِ دُونَ أَصْحَابِ الْخُطَّةِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَالْقَتِيلُ الْمَوْجُودُ فِي مِلْكٍ خَاصٍّ يُجْعَلُ كَأَنَّ صَاحِبَ الْمِلْكِ هُوَ الْقَاتِلُ لَهُ فِي حُكْمِ الْقَسَامَةِ، وَالدِّيَةِ؛ فَلِهَذَا كَانَتْ الْقَسَامَةُ عَلَيْهِ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ وَأَحَدُهُمَا أَكْثَرُ نَصِيبًا مِنْ الْآخَرِ، فَالدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ بِحِفْظِ الْمَكَانِ، وَالتَّدْبِيرَ فِيهِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْمِلْكِ لَا بِاعْتِبَارِ قَدْرِ الْمِلْكِ، وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي أَصْلِ الْمِلْكِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ فِي الْمَغْنَمِ الْمُسْتَحَقِّ بِسَبَبِ الْمِلْكِ يُعْتَبَرُ أَصْلُ الْمِلْكِ، وَهُوَ الشُّفْعَةُ فَكَذَلِكَ فِي الْغُرْمِ.

، وَإِذَا وُجِدَ الرَّجُلُ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ غَيْرُهُ قَتِيلًا فِي هَذِهِ الدَّارِ جُعِلَ هُوَ كَالْمُبَاشِرِ لِقَتْلِهِ فِي حُكْمِ الدِّيَةِ، فَإِذَا وُجِدَ هُوَ قَتِيلًا فِيهَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ بَاشَرَ قَتْلَ نَفْسِهِ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارٍ مِنْ كَسْبِهِ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَكَذَا لَوْ أَنَّ عَبْدَهُ وُجِدَ قَتِيلًا فِيهِ كَانَ مُوجِبُهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا وَجَدُوهُ فِيهَا قَتِيلًا لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ فِي الْحُرِّ وَلَا يُنْظَرُ إلَى كَوْنِ الدَّارِ فِي الْحَالِ لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْجِنَايَةِ وَعِنْدَ الْجِنَايَةِ كَانَتْ الدَّارُ مَمْلُوكَةً.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ هَاهُنَا وَلَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْحَالَ لَكَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُتْرَكُ فِي الْإِسْلَامِ مُفْرَحٌ» أَيْ مُهْدَرُ الدَّمِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ وُجِدَ قَتِيلًا فِي مَوْضِعٍ لَوْ وُجِدَ غَيْرُهُ قَتِيلًا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى عَوَاقِلِهِ، فَإِذَا وُجِدَ هُوَ قَتِيلًا فِيهِ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِ كَمَا لَوْ وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ قَتِيلًا فِي الْمَحَلَّةِ تَجِبُ الدِّيَةُ، وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِهَذَا الْمَعْنَى؛ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ غَيْرُهُ فِيهِ قَتِيلًا لَكَانَتْ الْقَسَامَةُ عَلَيْهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ، فَإِذَا وُجِدَ هُوَ قَتِيلًا فِيهِ يَتَعَذَّرُ إيجَابُ الْقَسَامَةِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ السَّبَبَ وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَإِنَّمَا أُغَرِّمُكُمْ الدِّيَةَ بِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ. وَحِينَ وُجِدَ هُوَ قَتِيلًا كَانَتْ الدَّارُ مَمْلُوكَةً لِوَرَثَتِهِ لَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَتَكُونُ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا قَالَ: الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ، وَهُوَ أَنَّ عَاقِلَةَ الْوَارِثِ، وَالْمُوَرِّثِ تَتَّحِدُ، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ تَخْتَلِفُ الْعَاقِلَةُ فَيَنْبَغِي

<<  <  ج: ص:  >  >>