فَفِيهِ الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ لِأَنَّ حِرْمَانَ الْمِيرَاثِ جَزَاءَ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ بِصِفَةِ الْخَطَرِ، وَذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ فِي دَارِهِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي دَارِهِ بِمَنْزِلَةِ مُبَاشَرَتِهِ فِي حُكْمِ الْقَسَامَةِ، وَالدِّيَةِ خَاصَّةً لِلصِّيَانَةِ عَنْ الْهَدَرِ، فَهُوَ نَظِيرُ التَّسَبُّبِ الَّذِي قَامَ مَقَامَ الْمُبَاشَرَةِ فِي حُكْمِ الدِّيَةِ خَاصَّةً دُونَ حِرْمَانِ الْمِيرَاثِ، وَإِنْ وُجِدَ الْعَبْدُ قَتِيلًا فِي دَارِ مَوْلَاهُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاشَرَ قَتْلَهُ بِيَدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ حَالَّةً فِي مَالِهِ لِغُرَمَائِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ، وَإِذَا وُجِدَ الْمُكَاتَبُ قَتِيلًا فِي دَارِ مَوْلَاهُ، فَالْقِيمَةُ عَلَى مَوْلَاهُ فِي مَالِهِ كَمَا لَوْ بَاشَرَ قَتْلَهُ بِيَدِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَمْلُوكٌ لَهُ، فَبَدَلُهُ مِنْ وَجْهٍ مَمْلُوكٌ لَهُ، وَالْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُ عَنْهُ لَهُ فَيَكُونُ فِي مَالِهِ، وَلَكِنْ تَجِبُ الْقِيمَةُ بِالْقَتْلِ فَيَكُونُ مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، ثُمَّ يَسْتَوْفِي مِنْهُ مَا بَقِيَ مِنْ مُكَاتَبِهِ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ وَمَا بَقِيَ يَكُون مِيرَاثًا.
وَإِذَا وُجِدَ الرَّجُلُ قَتِيلًا عَلَى دَابَّةٍ يَسُوقُهَا رَجُلٌ، أَوْ يَقُودُهَا أَوْ هُوَ رَاكِبُهَا، فَهُوَ عَلَى الَّذِي مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِتَدْبِيرِ هَذِهِ الدَّابَّةِ وَبِالْيَدِ عَلَيْهَا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهَا لَوْ وَطِئَتْ إنْسَانًا كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ عَلَيْهَا قَتِيلًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الدَّابَّةِ أَحَدٌ، فَهُوَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّذِينَ وُجِدَ فِيهِمْ الْقَتِيلُ عَلَى الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ عَلَى الدَّابَّةِ كَوُجُودِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الدَّابَّةُ مَوْقُوفَةً فَإِنَّهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِتَدْبِيرِ تِلْكَ الْبُقْعَةِ وَتَدْبِيرِ مَا فِيهَا مِمَّا لَا يُعْرَفُ فِي غَيْرِهِمْ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَحْمِلُ قَتِيلًا، فَهُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَقْوَى مِنْ يَدِهِ عَلَى دَارِهِ، وَإِذَا وُجِدَ فِي دَارِهِ قَتِيلًا كَانَتْ الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ عَلَيْهِ، فَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ عَلَى ظَهْرِهِ، أَوْ عَلَى رَأْسِهِ أَوْلَى، وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي سَفِينَةٍ، فَالْقَسَامَةُ عَلَى مَنْ فِي السَّفِينَةِ مِنْ الرُّكَّابِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا مِنْ الَّذِينَ هُمْ فِيهَا، وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ السُّكَّانَ، وَالْمُلَّاكَ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِي الْمَحَلَّةِ سَوَاءً فَكَذَلِكَ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِي السَّفِينَةِ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَفِي الْمَحَلَّةِ السُّكَّانُ لَا يُشَارِكُونَ الْمُلَّاكَ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي الْمَحَلَّةِ إلَى الْمُلَّاكِ دُونَ السُّكَّانِ وَفِي السَّفِينَةِ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ فِي تَدْبِيرِهَا سَوَاءٌ إذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ. يُوَضِّحُهُ: أَنَّ السَّفِينَةَ تَنْقُلُ فَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ فِيهَا الْيَدَ دُونَ الْمِلْكِ فَإِنَّهَا مَرْكَبٌ كَالدَّابَّةِ فَكَمَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ عَلَى الدَّابَّةِ هُوَ الْيَدُ دُونَ الْمِلْكِ فَكَذَلِكَ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِي السَّفِينَةِ وَهُمْ فِي الْيَدِ عَلَيْهَا سَوَاءٌ.
وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي نَهْرٍ عَظِيمٍ يَجْرِي الْمَاءُ بِهِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا النَّهْرِ لَا يَدَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ فَقَهْرُ الْمَاءِ يَمْنَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَالْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِي الْمَغَارَةِ فِي مَوْضِعٍ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ إلَّا أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute