بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ الْقِصَاصُ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ كَالْمُسْلِمِ مَعَ الْمُسْتَأْمَنِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨] فَهَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْقِصَاصِ بِسَبَبِ كُلِّ قَتْلٍ إلَّا مَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ فَأَمَّا قَوْلُهُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ، فَهُوَ ذَكَرَ بَعْضَ مَا شَمَلَهُ الْعُمُومُ عَلَى مُوَافَقَةِ حُكْمِهِ فَلَا يَجِبُ تَخْصِيصُ مَا بَقِيَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ كَمَا قَابَلَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ قَابَلَ الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى، ثُمَّ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مُقَابَلَةَ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى وَفِي مُقَابِلَةِ الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْحُرَّةِ بِقَتْلِ الْأَمَةِ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَتْ الْمُقَابَلَةُ بَيْنَ بَنِي النَّضِيرِ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَكَانَتْ بَنُو النَّضِيرِ أَشْرَفَ وَكَانُوا يَعُدُّونَ بَنِي قُرَيْظَةَ عَلَى النِّصْفِ مِنْهُمْ فَتَوَاضَعُوا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ بِمُقَابَلَةِ الْحُرِّ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَالْأُنْثَى مِنْهُمْ بِمُقَابَلَةِ الذَّكَرِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ رَدًّا عَلَيْهِمْ وَبَيَانًا أَنَّ الْحُرَّ بِمُقَابَلَةِ الْحُرِّ، وَالْعَبْدَ بِمُقَابَلَةِ الْعَبْدِ، وَالْأُنْثَى بِمُقَابَلَةِ الْأُنْثَى مِنْ الْقَبِيلَتَيْنِ جَمِيعًا، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ مَحْمُولٌ عَلَى السَّيِّدِ إذَا قَتَلَ عَبْدَهُ، فَقَدْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَيُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ» فَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ مِنْهُمْ لَا يُقْتَلُ السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ دَمَ الْعَمْدِ مَضْمُونٌ بِالْقِصَاصِ فَيَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ قَاتِلُهُ حُرًّا، أَوْ عَبْدًا كَدَمِ الْحُرِّ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قَتَلَ عَبْدًا يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ، وَالْقِصَاصُ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَيَسْتَدْعِي وُجُوبُهَا انْتِفَاءَ الشُّبْهَةِ الْمُبِيحَةِ عَنْ الدَّمِ وَبَعْدَ انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ الْحُرُّ، وَالْعَبْدُ فِيهِ سَوَاءٌ وَسَنُقَرِّرُ هَذَا الْكَلَامَ فِي مَسْأَلَةِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيِّ وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَرْفَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الذِّمِّيِّ، وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ، فَالرِّقُّ، وَالْمَمْلُوكِيَّة لَا يُؤَثِّرُ فِي الدَّمِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيمَا يُتَصَوَّرُ وُرُودُ الْقَهْرِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَجْزَاءُ الْجِسْمِ فَأَمَّا الْحَيَاةُ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْقَهْرِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَبْدَ فِيهِ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْمَوْلَى التَّصَرُّفَ فِيهِ إقْرَارًا عَلَيْهِ بِهِ وَلَا اسْتِيفَاءً مِنْهُ إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى إذَا قَتَلَهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ لِانْعِدَامِ الْمُسْتَوْفِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ غَيْرَهُ كَانَ هُوَ الْمُسْتَوْفِي بِوِلَايَةِ الْمِلْكِ، وَالْقَتْلِ لَا يُحَرِّمُهُ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ هُوَ مُسْتَوْفِيًا الْعُقُوبَةَ مِنْ نَفْسِهِ وَنُقْصَانَ بَدَلِ الدَّمِ كَنُقْصَانِ صِفَةِ الْمَمْلُوكِيَّةِ فِي مَحَلِّهِ لَا فِي غَيْرِهِ كَنُقْصَانِ بَدَلِ الدَّمِ بِسَبَبِ الْأُنُوثَةِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمُلُوكِيَّةِ فِي مَحَلِّهِ فَأَمَّا الْحَيَاةُ فَلَا تَحِلُّهَا الْأُنُوثَةُ، وَالثَّانِي أَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْإِحْرَازِ، وَالْإِحْرَازُ إنَّمَا يَكُونُ بِالدَّارِ، أَوْ بِالدَّيْنِ، وَالْمَمْلُوكُ فِي ذَلِكَ مُسَاوٍ لِلْحُرِّ، وَالْحِكْمَةُ فِي شَرْعِ الْقِصَاصِ الْحَيَاةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute