وَفِي ذَلِكَ الْمَعْنَى الْحُرُّ، وَالْمَمْلُوكُ سَوَاءٌ، وَلَيْسَتْ النُّفُوسُ قِيَاسُ الْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ هُنَاكَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْجُزْءِ الْمُبَانِ؛ وَلِهَذَا لَا تُقْطَعُ الصَّحِيحَةُ بِالشَّلَّاءِ، وَالرِّقُّ ثَابِتٌ فِي أَجْزَاءِ الْجِسْمِ فَتَنْعَدِمُ بِسَبَبِهِ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي الْأَطْرَافِ مَعَ أَنَّ طَرَفَ الْعَبْدِ فِي حُكْمِ الْمَالِ عِنْدَنَا؛ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِصَاصِ عَلَى أَحَدٍ عَبْدًا كَانَ، أَوْ حُرًّا بِخِلَافِ النَّفْسِ، فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْحَيَاةِ؛ وَلِهَذَا لَا نَقْتُلُ النَّفْسَ الصَّحِيحَةَ بِالنَّفْسِ الزَّمِنَةِ، وَقَدْ تَحَقَّقَتْ الْمُسَاوَاةُ هَاهُنَا.
وَعَلَى هَذَا لَوْ قَتَلَ رَجُلٌ صَبِيًّا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي الْحَيَاةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَتَخَيَّرُ أَوْلِيَاؤُهَا بَيْنَ أَنْ يَسْتَوْفُوا دِيَتَهَا وَبَيْنَ أَنْ يُعْطُوا الْقَاتِلَ نِصْفَ دِيَتِهِ، ثُمَّ يَقْتُلُونَهُ قِصَاصًا وَهَذَا بَعِيدٌ لَا يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ كَانَ أَفْقَهَ مَنْ أَنْ يَقُولَ الْقِصَاصُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، ثُمَّ يَجِبُ بِإِعْطَاءِ الْمَالِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ الْحُرَّ عَمْدًا، وَالْمَرْأَةُ الرَّجُلَ فَعَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي الْحَيَاةِ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُخَالِفُنَا فِي هَذَا فَإِنَّهُ يَرَى اسْتِيفَاءَ الْأَنْقَصِ بِالْأَكْمَلِ قِصَاصًا، وَإِنَّمَا يَأْبَى اسْتِيفَاءُ الْأَكْمَلِ بِالْأَنْقَصِ، فَإِذَا تَبَيَّنَّ هَذَا فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الِاشْتِرَاكِ حَتَّى إذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ فِي قَتْلِ حُرَّةٍ، أَوْ أَمَةٍ فَعَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ كَمَا لَوْ اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِ رَجُلٍ حُرٍّ.
، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ الْمُسْلِمُ الذِّمِّيَّ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الذِّمِّيُّ إذَا قَتَلَ ذِمِّيًّا، ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِالِاتِّفَاقِ وَيَحْكِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَضَى بِالْقِصَاصِ عَلَى هَاشِمِيٍّ بِقَتْلِ ذِمِّيٍّ فَجَعَلَ أَوْلِيَاءُ الْقَاتِلِ يُؤْذُونَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَيَقُولُونَ يَا جَائِرُ يَا قَاتِلُ مُؤْمِنٍ بِكَافِرٍ فَشَكَاهُمْ إلَى الْخَلِيفَةِ فَقَالَ اُرْفُقْ بِهِمْ فَلَمَّا عَلِمَ مُرَادَ الْخَلِيفَةِ خَرَجَ وَأَمَرَ بِإِعَادَتِهِمْ إلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: لِأَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ هَاتُوا بَيِّنَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ صَاحِبَكُمْ كَانَ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ طَوْعًا فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَدَّعُونَ أَنَّهُ كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ؛ فَلِهَذَا قَتَلَهُ وَلَا قَتْلَ عَلَيْهِمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَعَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ فَدَرَأَ الْقَوَدَ بِهِ وَدَخَلَ عَلَى الْخَلِيفَةِ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَضَحِكَ وَقَالَ مَنْ يُقَاوِمُكُمْ يَا أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: ١٨]، فَالْقِصَاصُ يَبْنِي عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَبَعْدَ مَا انْتَفَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا بِالنُّصُوصِ الظَّاهِرَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ دِمَاءَ غَيْرِهِمْ لَا يُكَافِئُ دِمَاءَهُمْ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» وَبِالْإِجْمَاعِ لَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ الِاسْتِيفَاءِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْوُجُوبِ.
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمَقْتُولَ مَنْقُوصٌ بِنَقْصِ الْكُفْرِ فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِقَتْلِهِ كَالْمُسْتَأْمَنِ وَهَذَا لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ أَعْظَمِ النَّقَائِصِ، فَالْكَافِرُ كَالْمَيِّتِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute