وَجْهٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: ١٢٢] أَيْ كَافِرًا فَرَزَقْنَاهُ الْهُدَى فَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ مَنْ هُوَ مَيِّتٌ مِنْ وَجْهٍ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ حَيٌّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ إذَا قَتَلَ ذِمِّيًّا، فَقَدْ وُجِدَتْ الْمُسَاوَاةُ هُنَاكَ فَوَجَبَ الْقِصَاصُ، ثُمَّ الْإِسْلَامُ بَعْدَ ذَلِكَ زِيَادَةً حَصَلَتْ عَلَى حَقِّ الْأَوْلِيَاءِ فَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ كَالْمُسْتَأْمَنِ إذَا قَتَلَ مُسْتَأْمَنًا يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي النَّفْسِ، وَالطَّرَفِ جَمِيعًا، ثُمَّ لَوْ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقِصَاصُ وَلِأَنَّ الْكُفْرَ مُهْدِرٌ لِلدَّمِ مُؤَثِّرٌ فِي الْإِبَاحَةِ، فَإِذَا وُجِدَ وَلَمْ يُبَحْ يَصِيرُ شُبْهَةً كَالْمِلْكِ فَإِنَّهُ مُبِيحٌ، فَإِذَا وُجِدَ فِي الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَمْ يُبَحْ فَيَصِيرُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ مَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ مُهْدِرٌ لِلدَّمِ أَنَّ مَنْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ كَالنِّسَاءِ، وَالذَّرَّارِي إذَا قَتَلَهُمْ إنْسَانٌ لَا يَغْرَمُ شَيْئًا لِوُجُودِ الْمُهْدِرِ وَمَا ذَلِكَ إلَّا الْكُفْرُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّا أُمِرْنَا بِقَتْلِ الْكُفَّارِ لِكُفْرِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: ١٩٣] يَعْنِي فِتْنَةَ الْكُفْرِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَهَذَا الْكُفْرُ قَائِمٌ بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ عَامِلٍ فِي إبَاحَةِ الدَّمِ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ إلَى الدَّيْنِ بِأَحْسَنِ الْوُجُوهِ عَلَى مَا أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: ٦] فَبَقِيَ بِاعْتِبَارِهِ شُبْهَةً يَنْتَفِي بِهَا الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ بِمَنْزِلَةِ طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ مَعَ طَهَارَةِ الْأَصِحَّاءِ فَإِنَّ سَيَلَانَ الدَّمِ الَّذِي هُوَ نَاقِضٌ لِلطَّهَارَةِ مَوْجُودٌ مَعَ طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ عَامِلٍ فِي الْوَقْتِ وَمَعَ هَذَا لَا تَكُونُ طَهَارَتُهَا طَهَارَةَ الْأَصِحَّاءِ حَتَّى لَا تَصْلُحَ لِإِمَامَةِ الْأَصِحَّاءِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ مَالِ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ، وَهُوَ الْكُفْرُ لَيْسَ فِي الْمَالِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي النَّفْسِ، فَهُوَ نَظِيرُ حَقِيقَةِ الْإِبَاحَةِ بِسَبَبِ الْقَضَاءِ بِالرَّجْمِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِي الْمَالِ حَتَّى يَجِبَ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى أَحَدٍ بِقَتْلِهِ؛ وَلِهَذَا أَوْجَبَ الْقَطْعَ بِسَرِقَةِ مَالِ الْمُسْتَأْمَنِ أَيْضًا.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَوُجُوبُهُ يَعْتَمِدُ الْجِنَايَةَ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ الْمُسَاوَاةِ وَمَعْنَى الْجِنَايَةِ يَتَحَقَّقُ فِي سَرِقَةِ مَالِ الذِّمِّيِّ، وَالْمُسْتَأْمَنُ بِثُبُوتٍ إلَّا مَنْ لَهُمَا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَمَا كَانَ الْقَطْعُ إلَّا نَظِيرَ الْكَفَّارَةِ، وَالْكَفَّارَةُ تَجِبُ بِقَتْلِ الذِّمِّيِّ، وَالْمُسْتَأْمَنُ كَمَا تَجِبُ بِقَتْلِ الْمُسْلِمِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَقَادَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ وَقَالَ أَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ» وَهَذَا التَّعْلِيلُ تَنْصِيصٌ عَلَى وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِقَتْلِ الذِّمِّيِّ وَاسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ مِنْهُ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «أَنَّ رَجُلًا مُسْلِمًا قَتَلَ ذِمِّيًّا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِصَاصِ وَقَالَ أَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ».
وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute