ذِمِّيٍّ، ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّهُ فَارِسٌ مِنْ فُرْسَانِ الْعَرَبِ فَكَتَبَ فِيهِ أَنْ لَا يُقْتَلَ يَعْنِي يَسْتَرْضُوا الْأَوْلِيَاءَ فَيُصَالِحُوا عَلَى الدِّيَةِ، وَإِنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمَّا قَتَلَ هُرْمُزَانَ بِتُهْمَةِ دَمِ أَبِيهِ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى عُثْمَانَ فَطَلَبَ مِنْهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَكَانَ يُدَافِعُ فِي ذَلِكَ أَيَّامًا، ثُمَّ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ قُتِلَ أَبُوهُ بِالْأَمْسِ فَأَنَا أَسْتَحِي أَنْ أَقْتُلَهُ الْيَوْمَ، وَإِنَّ هُرْمُزَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنَا وَلِيُّهُ أَعْفُو عَنْهُ وَأُؤَدِّي الدِّيَةَ فَهَذَا اتِّفَاقٌ مِنْهُمَا عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَقَضَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْقِصَاصِ عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلِ ذِمِّيٍّ، ثُمَّ رَأَى الْوَلِيَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ مَاذَا صَنَعْت قَالَ: إنِّي رَأَيْت أَنَّ قَتْلِي إيَّاهُ لَا يَرُدُّ أَخِي، وَقَدْ أَعْطَوْنِي الْمَالَ فَقَالَ: فَلَعَلَّهُمْ خَوَّفُوكَ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّمَا أَعْطَيْنَاكُمْ الدِّيَةَ وَتَبْذُلُونَ الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُكُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُكُمْ كَأَمْوَالِنَا، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ دَمَ الذِّمِّيِّ مَضْمُونٌ بِالْقِصَاصِ حَتَّى إذَا كَانَ الْقَاتِلُ ذِمِّيًّا يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ الْمُبِيحَةِ عَنْ الدَّمِ وَبَعْدَ انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ يَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْأَبُ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَيْهِ عِنْدَنَا لَيْسَ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ فِي دَمِ الِابْنِ، بَلْ لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْأُبُوَّةِ تُخْرِجُ الْوَلَدَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَوْجِبًا الْقَوَدَ عَلَى وَالِدِهِ كَمَا يَمْنَعُهُ مِنْ قَتْلِهِ شَرْعًا، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُبَاحَ الدَّمِ بِأَنْ كَانَ مُرْتَدًّا أَوْ حَرْبِيًّا، أَوْ زَانِيًا، وَهُوَ مُحْصَنٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْأُبُوَّةَ إذَا طَرَأَتْ تَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ، وَالشُّبْهَةُ إنَّمَا تُؤَثِّرُ إذَا اقْتَرَنَتْ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ وَحَيْثُ كَانَ طَرَيَان الْأُبُوَّةِ مَانِعًا مِنْ الِاسْتِيفَاءِ عَرَفْنَا أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ مَا ذَكَرْنَا.
فَأَمَّا الْمُسْتَأْمَنُ إذَا قَتَلَ مُسْتَأْمَنًا فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِقَتْلِ الْمُسْتَأْمَنِ قِيَاسٌ، أَوْ اسْتِحْسَانٌ فِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَهُوَ رِوَايَةُ أَحْمَدَ بْنِ عِمْرَانَ أُسْتَاذِ الطَّحَاوِيِّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَرَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، فَقَالُوا: مَا ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ بِنَاءً عَلَى جَوَابِ الْقِيَاسِ أَنَّ الشُّبْهَةَ الْمُبِيحَةَ عَنْ الدَّمِ تُنْفَى بِعَقْدِ الْأَمَانِ فَلَا جَرَمَ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ، وَالْمُسْلِمِ جَمِيعًا فَأَمَّا عَلَى جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ فَيَقُولُ بَقِيَتْ الشُّبْهَةُ الْمُبِيحَةُ فِي دَمِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ حَرْبِيًّا؛ لِأَنَّهُ مُمَكَّنٌ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَجُعِلَ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ عَلَى أَحَدٍ سَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ مُسْتَأْمَنًا أَوْ ذِمِّيًّا، أَوْ مُسْلِمًا وَلِأَنَّ الذِّمِّيَّ مَحْقُونُ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ كَالْمُسْلِمِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّهُ إزْهَاقُ الْحَيَاةِ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ لِحِكْمَةِ الْحَيَاةِ، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ فِي ذَلِكَ شَرْعًا لِوُجُودِ التَّسَاوِي فِي حَقْنِ الدَّمِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ، وَالذِّمِّيِّ فَإِنَّ حَقْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُؤَبَّدٌ بِسَبَبٍ مَشْرُوعٍ، وَهُوَ عَقْدُ الذِّمَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute