اتَّحَدَ الْأَصْلُ فَلَأَنْ تَنْعَدِمَ الْمُمَاثَلَةُ أَوْلَى؛ وَلِهَذَا لَا تُقْطَعُ الْيَمِينُ بِالْيَسَارِ، وَالتَّفَاوُتُ فِي الْبَدَلِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى انْعِدَامِ الْمُسَاوَاةِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ بِمُقَابَلَةِ الْمُبْدَلِ، وَهُوَ قِيمَتُهُ، فَالتَّفَاوُتُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى التَّفَاوُتِ فِي الْمُبْدَلِ.
وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءُ فِي الْأَطْرَافِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَجْرِي، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَيَسْلُكُونَ فِي الْبَابِ طَرِيقًا سَهْلًا، وَهُوَ اعْتِبَارُ الْأَطْرَافِ بِالنُّفُوسِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ وَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي التَّبَعِ بِثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ فَكَمَا يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ فِي النُّفُوسِ فَكَذَلِكَ فِي الْأَطْرَافِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ طَرَفِ الرَّجُلِ وَطَرَفِ الْمَرْأَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَلَا فِي الْبَدَلِ، وَالْمُمَاثَلَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّحِيحَةَ لَا تُسْتَوْفَى بِالشَّلَّاءِ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فِي الْبَدَلِ، وَالْمَنْفَعَةِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ إنَّ الشَّلَّاءَ مَيِّتَةٌ لَا رُوحَ فِيهَا؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَهَا فِي الْقِصَاصِ جَائِزٌ وَبِقَطْعِهَا يَتَأَلَّمُ صَاحِبُهَا وَيَجِبُ حُكُومَةُ الْعَدْلِ لِقَطْعِهَا فَعَرَفْنَا أَنَّ الْحَيَاةَ فِيهَا بَاقِيَةٌ، وَلَكِنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْبَدَلِ فَلَا تُقْطَعُ الصَّحِيحَةُ بِهَا بِخِلَافِ النُّفُوسِ، فَالْمُعْتَبَرُ هُنَاكَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْفِعْلِ حَتَّى تُسْتَوْفَى النَّفْسُ الصَّحِيحَةُ بِالزَّمِنَةِ، فَإِنْ قِيلَ التَّفَاوُتُ فِي الْبَدَلِ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْأَكْمَلِ بِالْأَنْقَصِ وَلَا يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْأَنْقَصِ بِالْأَكْمَلِ حَتَّى إنَّ الشَّلَّاءَ تُقْطَعُ بِالصَّحِيحَةِ وَعِنْدَكُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا تُقْطَعُ يَدُ الْمَرْأَةِ بِالرَّجُلِ قُلْنَا نَعَمْ إذَا كَانَ التَّفَاوُتُ بِسَبَبٍ حِسِّيٍّ كَالشَّلَلِ وَفَوَاتُ بَعْضِ الْأَصَابِعِ، فَهُوَ كَمَا قُلْنَا فَأَمَّا إذَا كَانَ التَّفَاوُتُ بِمَعْنًى حُكْمِيٍّ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ كَالْيَمِينِ مَعَ الْيَسَارِ وَهَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّ فِي التَّفَاوُتِ إذَا كَانَ بِنُقْصَانٍ حِسِّيٍّ فَمَنْ لَهُ الْحَقُّ إذَا رَضِيَ بِالِاسْتِيفَاءِ يُجْعَلُ هُوَ بِالْبَعْضِ حَقَّهُ مُسْتَوْفِيًا لِمَا بَقِيَ وَذَلِكَ جَائِزٌ؛ وَلِهَذَا لَا يُسْتَوْفَى الْأَكْمَلُ بِالْأَنْقَصِ، وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْقَاطِعُ؛ لِأَنَّهُ بِالرِّضَا يَكُونُ بَاذِلًا لِلزِّيَادَةِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الطَّرَفِ بِالْبَدَلِ فَأَمَّا إذَا كَانَ التَّفَاوُتُ لِمَعْنًى حُكْمِيٍّ فَلَا وَجْهَ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ هَاهُنَا بِطَرِيقِ إسْقَاطِ الْبَعْضِ وَلَا بِطَرِيقِ الْبَدَلِ.
وَعَلَى هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ تُقْطَعُ يَدُ الْعَبْدِ بِيَدِ الْحُرِّ كَمَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ، وَكَذَلِكَ تُقْطَعُ يَدُ الْعَبْدِ بِيَدِ الْعَبْدِ كَمَا يُقْتَلُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ قِصَاصًا وَلَا تُقْطَعُ يَدُ الْحُرِّ بِيَدِ الْعَبْدِ كَمَا لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَ الْعَبِيدِ، وَالْأَحْرَارِ وَلَا بَيْنَ الْعَبِيدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لِانْعِدَامِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْبَدَلِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَ الْعَبِيدِ، وَالْأَحْرَارِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ الْعَبِيدِ إذَا اخْتَلَفَتْ الْقِيَمُ فِيهِمْ، وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَوَتْ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ الْحَزْرُ، وَالْمُمَاثَلَةُ الْمَشْرُوطَةُ شَرْعًا لَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْحَزْرِ كَالْمُمَاثَلَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا وَلَا يُقَالُ نِصَابُ السَّرِقَةِ يُعْرَفُ بِالتَّقْوِيمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute