للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ كَانَ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَكَذَلِكَ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقِيمَةِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّا لَا نُنْكِرُ مَعْرِفَةَ الْقِيمَةِ بِالْحَزْرِ، وَالظَّنِّ، وَإِنَّمَا نُنْكِرُ ثُبُوتَ الْمُسَاوَاةِ بِالْحَزْرِ قَطْعًا وَفِي بَابِ السَّرِقَةِ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ لَا إلَى الْمُسَاوَاةِ وَلَا يُقَالُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ فَهَاهُنَا الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَدَلِ ثَابِتَةٌ شَرْعًا وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا فِي الْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِي بَدَلِ نَفْسِ الْعَبْدِ فَأَمَّا بَدَلُ طَرَفِهِ فَلَا يَدْخُلُهُ التَّقْدِيرُ شَرْعًا، وَلَكِنْ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَيَتَحَقَّقُ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِيهِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ أَطْرَافَ الْعَبْدِ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِصَاصِ فِي الْأَمْوَالِ.

وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ قُلْنَا يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ، وَالذِّمِّيِّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي الْبَدَلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْطَعُ طَرَفُ الذِّمِّيِّ بِطَرَفِ الْمُسْلِمِ وَلَا يُقْطَعُ طَرَفُ الْمُسْلِمِ بِطَرَفِ الذِّمِّيِّ اعْتِبَارًا بِالنَّفْسِيَّةِ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ لَا يُقْطَعُ يَدَانِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا لِلتَّفَاوُتِ فِي الْبَدَلِ، وَالتَّفَاوُتِ فِي الْمِقْدَارِ وَتَأْثِيرُ التَّفَاوُتِ فِي الْمِقْدَارِ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ أَكْثَرُ مِنْ تَأْثِيرِ التَّفَاوُتِ فِي الصِّفَةِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ التَّفَاوُتُ فِي الْمِقْدَارِ يَمْنَعُ جَوَازَ الْعَقْدِ، وَالتَّفَاوُتُ فِي الصِّفَةِ لَا يَمْنَعُ، ثُمَّ التَّفَاوُتُ فِي الصِّفَةِ هَاهُنَا يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْأَكْمَلِ بِالْأَنْقَصِ كَالصَّحِيحَةِ بِالشَّلَّاءِ، فَالتَّفَاوُتُ فِي الْمِقْدَارِ أَوْلَى وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْطَعُ يَدَانِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ إذَا وَضَعَا السِّكِّينَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدَةٍ اعْتِبَارًا لِلْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ بِالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ إلَّا أَنَّ فِي الْأَطْرَافِ إذَا وَضَعَ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ مِنْ جَانِبٍ، وَالْآخَرُ مِنْ جَانِبٍ وَأَمَرَّا حَتَّى الْتَقَى السِّكِّينَانِ يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ إزْهَاقٌ لِلْحَيَاةِ، وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي بِحَالٍ فَبِاخْتِلَافِ مَحَلِّ الْفِعْلِ لَا يَثْبُتُ التَّجَزُّؤُ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاتِلٌ عَلَى الْكَمَالِ كَمَا لَوْ اتَّحَدَ مَحَلُّ فِعْلِهِمَا فَأَمَّا الْقَطْعُ فَإِنَّهُ جُزْءٌ مَحْسُوسٌ وَذَلِكَ يَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ نَوْعٌ مِنْهُ يَتَجَزَّأُ، وَهُوَ عِنْدَ اخْتِلَافِ مَحَلِّ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمْرَارُ السِّلَاحِ إلَّا عَلَى بَعْضِ الْعُضْوِ، وَنَوْعٌ مِنْهُ لَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي، وَهُوَ مَا اتَّحَدَ مَحَلُّ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَّ السِّلَاحَ عَلَى جَمِيعِ الْعُضْوِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُشَارَ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَحَلِّ فَيُقَالُ الْقَطْعُ بِفِعْلِ هَذَا دُونَ فِعْلِ ذَلِكَ وَعِنْدَ اخْتِلَافِ مَحَلِّ الْفِعْلِ يُقَالُ هَذَا الْجَانِبُ انْقَطَعَ بِفِعْلِ هَذَا، وَالْجَانِبُ الْآخَرُ انْقَطَعَ بِفِعْلِ الْآخَرِ، فَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُتَجَزِّي كَانَ قِيَاسُ النَّفْسِ يُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاطِعًا بِجَمِيعِ الْيَدِ حُكْمًا فَيَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ لِاعْتِبَارِ مَعْنَى الزَّجْرِ كَمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي النَّفْسِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ أَنَّ عِنْدَ تَمَيُّزِ مَحَلِّ الْفِعْلِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكُومَةُ الْعَدْلِ وَعِنْدَ اتِّحَادِ مَحَلِّ الْفِعْلِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَكُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>