مِنْ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَرَجَّحْنَا بِالسَّبْقِ أَوْ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ إذَا حَصَلَ الْفِعْلَانِ جَمِيعًا كَمَا هُوَ أَصْلٌ، ثُمَّ فِيمَا قُلْتُمْ جَمَعَ بَيْنَ الْقِصَاصِ، وَالْأَرْشِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبَبِ فِعْلِ وَاحِدٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى أَصْلِكُمْ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ تَقَرَّرَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ الْقَطْعُ الْمَحْسُوسُ وَكَوْنُهُ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْأَوَّلِ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ تَقَرُّرَ السَّبَبِ فِي حَقِّ الثَّانِي لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ حُكْمِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِي عَبْدِهِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ إذَا تَقَرَّرَ سَبَبُهُ، وَهُوَ الْقَتْلُ، وَالْحَقُّ دُونَ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّ ثُبُوتَ السَّبَبِ هُنَاكَ بِطُرُقِ الْحُكْمِ وَاشْتِغَالِ الْمَحَلِّ بِحَقِّ الْأَوَّلِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ السَّبَبِ فِي حَقِّ الثَّانِي حُكْمًا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ عَفَى الْأَوَّلُ كَانَ لِلثَّانِي أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ وَتَأْثِيرُ الْعَفْوِ فِي الْإِسْقَاطِ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ لَهُ الْقِصَاصُ بِأَصْلِ الْفِعْلِ لَمْ يَجِبْ بِالْعَفْوِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الثَّانِيَ لَوْ بَادَرَ وَاسْتَوْفَى كَانَ مُسْتَوْفِيًا لِلْقِصَاصِ فَعَرَفْنَا أَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ الْيَدِ، وَالْمُسَاوَاةُ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ تُوجِبُ الْمُسَاوَاةَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَالْغَرِيمَيْنِ فِي التَّرِكَةِ، وَالشَّفِيعَيْنِ فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ إلَّا أَنَّهُ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ بِهِمَا، فَقَدْ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا نِصْفَ حَقِّهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْقَطْعَ يَقَعُ مُتَجَزِّئًا فَإِنَّ الْقَطْعَ الَّذِي هُوَ ظُلْمٌ يَقَعُ مِنْ اثْنَيْنِ بِصِفَةِ التَّجَزُّؤِ فَكَذَلِكَ الْقَطْعُ الَّذِي هُوَ جُزْءٌ بِخِلَافِ النَّفْسِ فَإِنَّ مَا هُوَ ظُلْمٌ هُنَاكَ لَا يَقَعُ مُتَجَزِّيًا فَكَذَلِكَ مَا هُوَ جُزْءٌ.
وَإِذَا صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا نِصْفَ الْيَدِ، فَقَدْ قَضَى بِنِصْفِ طَرَفِهِ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ إذَا قَضَى بِطَرَفِهِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ يَقْضِي لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ بِالْأَرْشِ كَمَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ فِي سَرِقَةٍ وَبِهَذَا تَبَيَّنَّ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَجِبُ بِهِ نِصْفُ الْأَرْشِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ فَلَا يَكُونُ هَذَا جَمْعًا بَيْنَ الْقِصَاصِ، وَالْأَرْشِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَبِهِ فَارَقَ النَّفْسَ فَإِنَّ هُنَاكَ لَوْ قَضَى بِنَفْسِهِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ بِأَنْ قَتَلَ رَحِمًا لَا يَقْضِي لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصَ بِشَيْءٍ إذَا عَرَفْنَا هَذَا، فَنَقُولُ: لَوْ عَفَى أَحَدُهُمَا عَنْهُ قَبْلَ الْقِصَاصِ أَقْتَصَّ مِنْهُ لِلْبَاقِي وَلَا شَيْءَ لِلْعَافِي؛ لِأَنَّ الْمُزَاحَمَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَطْعِ لِثُبُوتِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْمَحَلِّ، وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ بِعَفْوِ أَحَدِهِمَا فَكَانَ لِلْآخَرِ الْقِصَاصُ فَقَطْ وَلَوْ حَضَرَ أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ لَمْ يَنْتَظِرْ الْغَائِبَ وَيُقْتَصُّ لِهَذَا الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ الْيَدِ وَمُزَاحَمَةُ الْآخَرِ مَعَهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ مَوْهُومٌ عَسَى يَحْضُرُ وَعَسَى لَا يَحْضُرُ فَلَا يُؤَخَّرُ اسْتِيفَاءُ الْمَعْلُومِ لِمَكَانِ الْمَوْهُومِ كَأَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ إذَا حَضَرَ، وَالْآخَرُ غَائِبٌ يَقْضِي لَهُ بِجَمِيعِ الْمَبِيعِ بِالشُّفْعَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى، ثُمَّ إذَا قَدِمَ الْغَائِبُ كَانَ لَهُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِجَمِيعِ طَرَفِهِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute