للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَيَقْضِي لِلْآخَرِ بِالْأَرْشِ بِخِلَافِ النَّفْسِ فَإِنَّ هُنَاكَ لَوْ حَضَرَ أَحَدُهُمَا وَاسْتَوْفَى الْقِصَاصَ، ثُمَّ حَضَرَ الْآخَرُ لَا يَقْضِي لَهُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ فِي نَفْسِهِ وَفَاءً بِحَقِّهِمَا فَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَوْفِ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ، وَلَيْسَ فِي الطَّرَفِ الْوَاحِدِ وَفَاءٌ بِحَقِّهِمَا فَإِنَّ مَا تَعَذَّرَ عَلَى الثَّانِي لِلِاسْتِيفَاءِ بِقَضَائِهِ بِطَرَفِهِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ.

يُوَضِّحُهُ أَنَّ فِي النَّفْسِ، وَإِنْ قَضَى بِهَا حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا سَالِمَةً بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ تَقَوُّمُ نَفْسِهِ عَلَيْهِ بَعْدَمَا مَاتَ فَأَمَّا فِي الطَّرَفِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الطَّرَفُ كَالسَّالِمِ لَهُ حِينَ قَضَى بِهِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ وَأَنْ يَتَقَوَّمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَالْحَابِسِ لِطَرَفِهِ حُكْمًا؛ فَلِهَذَا يَقْضِي لِلثَّانِي بِالْأَرْشِ، وَإِنْ اجْتَمَعَا فَقَضَى لَهُمَا بِالْقِصَاصِ، وَالدِّيَةِ فَأَخَذَ الدِّيَةَ، ثُمَّ عَفَى أَحَدُهُمَا عَنْ الْقِصَاصِ جَازَ عَفْوُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ، وَإِنَّمَا لَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مَلَكَا الْأَرْشَ بِالْقَبْضِ وَبَعْدَ تَمَامِ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ الْيَدِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَبْقَى حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي جَمِيعِ الْقِصَاصِ فَعَرَفْنَا أَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا بَقِيَ فِي نِصْفِ الْقِصَاصِ، وَالْقِصَاصُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا سَقَطَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا بِعَفْوِهِ انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا فَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَوْفِيَا الدِّيَةَ حَتَّى عَفَى أَحَدُهُمَا بَعْدَمَا قَضَى الْقَاضِي فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِلْآخَرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ كَمَا لَوْ عَفَى أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ اسْتِحْسَانًا كَمَا لَوْ عَفَى أَحَدُهُمَا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْأَرْشِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِالْقِصَاصِ وَبِالْأَرْشِ بَيْنَهُمَا قَدْ نَفَذَ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ ضَرُورَةُ الْقِصَاصِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَإِذَا أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ يَبْقَى حَقُّ الْآخَرِ فِي نِصْفِ الْقِصَاصِ وَلَا يُتَصَوَّرُ اسْتِيفَاءُ نِصْفِ الْيَدِ قِصَاصًا.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَرْشَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي صَارَ مَمْلُوكًا بَيْنَهُمَا، فَهُوَ كَمَا لَوْ مَلَكَا الْأَرْشَ بِالِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَمْلِكَا الْأَرْشَ بَعْدُ فَيَبْقَى حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي جَمِيعِ الْقِصَاصِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقِصَاصِ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهُ أَنَّ أَحَدَ الشَّفِيعَيْنِ لَوْ سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي لَهُمَا بِالدَّارِ كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا النِّصْفَ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شِرَاءَ عَيْنٍ مِنْ ذِي الْيَدِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ، ثُمَّ أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَقْضِي لِلْآخَرِ بِالْبَيْعِ فِي جَمِيعِ الْعَيْنِ وَبَعْدَمَا قَضَى الْقَاضِي لَهُمَا لَوْ رَدَّ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ فِي نَصِيبِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ إلَّا النِّصْفُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ قَالَا: الْقَاضِي إنَّمَا قَضَى بِمَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ فَنَزَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةُ الْفَتْوَى وَلَوْ اسْتَفْتَيَا فَأَفْتَى لَهُمَا الْقَاضِي أَنَّ الْقِصَاصَ بَيْنَكُمَا أَوْ أَنَّ الْأَرْشَ

<<  <  ج: ص:  >  >>