كَمَالِ حَقِّهِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ صَاحِبُ الْأُصْبُعِ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مَا بَقِيَ مِنْ أُصْبُعِهِ لِوُجُودِ مَحَلِّ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ دِيَةَ أُصْبُعِهِ مِنْ مَالِ الْقَاطِعِ لِعَجْزِهِ عَنْ اسْتِيفَاءِ كَمَالِ حَقِّهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ كَفَّ رَجُلٍ مِنْ مَفْصِلٍ، ثُمَّ قَطَعَ يَدَ آخَرَ مِنْ الْمِرْفَقِ، ثُمَّ اجْتَمَعَا فَإِنَّ الْكَفَّ يُقْطَعُ لِصَاحِبِ الْكَفِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبُدَاءَةِ بِحَقِّهِ تَفْوِيتُ مَحَلِّ حَقِّ الْآخَرِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ صَاحِبُ الْمِرْفَقِ، فَإِنْ شَاءَ قَطَعَ مَا بَقِيَ بِحَقِّهِ لِوُجُودِ مَحَلِّ حَقِّهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ لِعَجْزِهِ عَنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ بِكَمَالِهِ وَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ لَا يَثْبُتُ لِلثَّانِي الْخِيَارُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْكَمَالِ قَائِمَةٌ فِي طَرَفِهِ وَلَا تَنْعَدِمُ بِثُبُوتِ حَقِّ الْأَوَّلِ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَنْعَدِمُ ذَلِكَ بِاسْتِيفَائِهِ؛ فَلِهَذَا كَانَ خِيَارُهُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْأَوَّلِ.
وَإِذَا شَجَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مُوضِحَةً فَأُخِذَتْ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ وَهِيَ لَا تَأْخُذُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ لِكِبَرِ رَأْسِ الشَّاجِّ فَإِنَّ الْمَشْجُوجَ يُخَيَّرُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ، وَإِنْ شَاءَ اُقْتُصَّ لَهُ يَبْدَأُ مِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ أَحَبَّ حَتَّى يَبْلُغَ مِقْدَارَهَا فِي طُولِهَا إلَى حَيْثُ تَبْلُغُ، ثُمَّ يُكَفُّ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشُجَّهُ شَجَّةً تَأْخُذُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيَّ عَنْ الرَّازِيِّ الْكَبِيرِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ فِي الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَحَلِّ وَلَا يُنْظَرُ إلَى الصِّغَرِ، وَالْكِبَرِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ مَنْ قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ وَيَدُ الْقَاطِعِ أَكْبَرُ مِنْ يَدِ الْمَقْطُوعِ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْأَصْلُ فِي الشِّجَاجِ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمِسَاحَةِ، وَالسَّيْرِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَالْمُسَاوَاةُ فِي الْبَدَلِ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَهَاهُنَا لَوْ شَجَّهُ شَجَّةً تَأْخُذُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ كَانَ فِي الْمِسَاحَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَلَمِ وَلَوْ شَجَّهُ مِثْلَ الْأَوَّلِ وَفِي الْمِسَاحَةِ كَانَ فِي السَّيْرِ دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الشَّجَّةَ الْأُولَى أَخَذَتْ مَا بَيْنَ قِرْنَيْهِ وَذَلِكَ الْقَدْرُ لَا يَأْخُذُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ، فَقَدْ عَجَزَ عَنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ بِكَمَالِهِ فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ اسْتَوْفَى الْأَرْشَ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ بِقَدْرِ الْأُولَى فِي الْمِسَاحَةِ وَتَجُوزُ بِدُونِ حَقِّهِ فِي السَّيْرِ بِخِلَافِ الْيَدِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَاكَ مَنْفَعَةُ الْبَطْشِ فَلَعَلَّ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ فِي الْيَدِ الصَّغِيرَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْيَدِ الْكَبِيرَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ أَرْشَ الْيَدِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْيَدِ فِي الصِّغَرِ، وَالْكِبَرِ بِحَالٍ، فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ لِكِبَرِ رَأْسِهِ وَهِيَ تَأْخُذُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ وَتَفْضُلُ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إنْ اسْتَوْفَى مِثْلَ حَقِّهِ فِي الْمِسَاحَةِ كَانَ هَذَا أَزِيدَ فِي السَّيْرِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَكُونُ مِثْلَ الْأَوَّلِ فِي السَّيْرِ كَانَ دُونَ حَقِّهِ فِي الْمِسَاحَةِ فَيَتَخَيَّرُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ، وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute