للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَاجِبِ لَهُ فَكَذَلِكَ الصُّلْحُ عَلَى الدِّيَةِ، وَإِنْ حَطَّ مِنْ الدِّيَةِ لَمْ يَجُزْ حَطُّهُ، وَالْيَسِيرُ وَالْفَاحِشُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ هُنَاكَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ شَرْعًا وَهُنَا مُقَدَّرٌ، وَهُوَ الدِّيَةُ، فَالنُّقْصَانُ عَنْهُ يَكُونُ إسْقَاطًا فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَصُلْحُ الْوَصِيِّ عَنْ النُّقْصَانِ فِي النَّفْسِ عَلَى الدِّيَةِ يَجُوزُ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ وَلَا يَجُوزُ فِي رِوَايَةِ الصُّلْحِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ وَلِيٌّ سِوَى السُّلْطَانِ، فَقَدْ بَيَّنَّا الْكَلَامَ فِيهِ فِي اللَّقِيطِ.

وَإِنْ كَانَ لِلدَّمِ وَلِيَّانِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ فَادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّ الْغَائِبَ عَفَا عَنْهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَأَبَى قَتْلَهُ وَأُجِيزَ الْعَفْوُ مِنْ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ خَصْمٌ عَنْ الْغَائِبِ فَانْتَصَبَ هُنَا الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ، وَإِذَا قَضَى بِالْعَفْوِ، ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ لَمْ يَعُدْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ اتَّصَلَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ هُوَ خَصْمٌ وَيَكُونُ لِلْحَاضِرِ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِذَا ادَّعَى عَفْوَ الْغَائِبِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ فَإِنَّهُ يُؤَخَّرُ حَتَّى يَقْدُمَ الْغَائِبُ فَيَحْلِفَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَحْلَفَ الْحَاضِرَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ، وَالنِّيَابَةُ لَا تَجْرِي فِي الْأَيْمَانِ، وَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ اسْتِيفَاءُ الْقَوَدِ مَا لَمْ يَقْدُمْ الْغَائِبُ قَبْلَ دَعْوَى الْعَفْوِ فَبَعْدَ دَعْوَى الْعَفْوِ أَوْلَى، فَإِذَا قَدِمَ فَحَلَفَ اُقْتُصَّ مِنْهُ، فَإِنْ ادَّعَى بَيِّنَةً حَاضِرَةً عَلَى الْعَفْوِ أَجَّلَهُ الْحَاكِمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْحُجَّةِ إلَّا بِمُهْلَةٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحْضِرْ شُهُودَهُ فِي الْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْخَصْمَ لَا يُنْكِرُ الْعَفْوَ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْهَالِهِ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي، وَقَدْ كَانَ الْقَاضِي فِيهِمْ يَجْلِسُ بِنَفْسِهِ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذْ الثَّلَاثَةُ مُدَّةٌ حَسَنَةٌ لِإِيلَاءِ الْأَعْذَارِ كَمَا فِي شَرْطِ الْخِيَارِ، فَإِنْ مَضَتْ الثَّلَاثَةُ وَلَمْ يَأْتِ بِهِمْ وَادَّعَى بَيِّنَةً غَائِبَةً فَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْقِيَاسِ وَيَنْبَغِي فِي قِيَاسِ قَوْلِنَا أَنْ يَمْضِيَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ كَمَا فِي الْمَالِ إذَا ادَّعَى بَيِّنَةً غَائِبَةً عَلَى الْإِبْرَاءِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُطْلَقَ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ قَدْ ظَهَرَ، وَالْمَانِعُ مَوْهُومٌ، وَالْمَوْهُومُ لَا يُعَارِضُ الْمُتَحَقِّقَ فَلَيْسَ كُلُّ غَائِبٍ يَئُوبُ قَالَ: وَلَكِنِّي أَسْتَعْظِمُ وَلَا أُعَجِّلُ فِيهِ بِالْقِصَاصِ حَتَّى أُثْبِتَ فِيهِ وَأَسْتَأْنِي بِهِ وَلَا أُعَجِّلُهُ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ إذَا وَقَعَ الْغَلَطُ فِيهِ لَا يُمْكِنُ التَّدَارُكُ وَالتَّلَافِي، وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَثَبَّتَ فِي مِثْلِهِ، ثُمَّ الْقِصَاصُ لَا يُسْتَوْفَى مَعَ الشُّبْهَةِ فَبِاعْتِبَارِ تَوَهُّمِ حُضُورِ شُهُودِهِ يَتَأَنَّى فِيهِ الْقَاضِي حَتَّى لَا يَكُونَ مُسْتَوْفِيًا مَعَ الشُّبْهَةِ بِخِلَافِ الْمَالِ.

وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ بِعَيْنِهِ بِالْعَفْوِ، أَوْ بِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا لَمْ يَقْتُلْ، فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ وَلَوْ عَايَنَاهُ عَفَا، أَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ سَقَطَ الْقِصَاصُ سَوَاءً أَقَرَّ بِذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ، أَوْ مَرَضِهِ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقَوَدِ لَيْسَ بِمَالٍ.

وَإِذَا كَانَ الدَّمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا، ثُمَّ قَتَلَهُ الْآخَرُ عَمْدًا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعَفْوِ الشَّرِيكِ، أَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>