للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَطَأٌ ثُلُثُهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَازَ عَفْوُهُ مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَيَكُونُ عَفْوُهُ وَصِيَّةً مِنْهُ لِلْعَاقِلَةِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ ثُلُثِهِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْإِشْكَالِ بَيَّنَّاهُ فِي الْوَصَايَا، فَإِنْ كَانَ أَوْصَى مَعَ ذَلِكَ بِوَصَايَا تَحَاصَّ أَهْلُ الْوَصَايَا، وَالْعَاقِلَةُ فِي ثُلُثِهِ فَسَقَطَ عَنْ الْعَاقِلَةِ حِصَّتُهُمْ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِ أَصْحَابِ الْوَصَايَا، وَالْوَرَثَةِ يَكُونُ مُؤَجَّلًا عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَهَذَا تِبْيَانُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَاتِلَ لَكَانَ الْأَجَلُ سَقَطَ بِمَوْتِهِ، فَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بُدِئَ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى سَبَبًا مِنْ سَائِرِ الْوَصَايَا، وَمِنْ الْعَفْوِ فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ لِلرِّقِّ بِمَنْزِلَةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ دَيْنٍ آخَرَ، وَإِنْ لَمْ يَعْفُ الْمَيِّتُ، وَلَكِنْ عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ بَطَلَتْ حِصَّةُ الْعَافِي إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ دَيْنٍ آخَرَ.

إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى بَعْضِهِمْ أَنَّهُ عَفَا عَنْ حِصَّتِهِ، وَالْقَتْلُ خَطَأٌ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا شَيْئًا بِشَهَادَتِهِمَا بِخِلَافِ الْعَمْدِ فَهُنَاكَ يَنْقُلَانِ حَقَّهُمَا مِنْ الْقِصَاصِ إلَى الدِّيَةِ بِشَهَادَتِهِمَا وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدَانِ أَخَذَا طَائِفَةً مِنْ الدِّيَةِ، ثُمَّ شَهِدَا بِذَلِكَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ حَقَّ الثَّالِثِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، وَقَدْ كَانَ لِلْوَارِثِ الْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ مَعَهُمَا فِيمَا أَخَذَا، وَإِنَّمَا يُسْقِطَانِ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا وَلَوْ لَمْ يَأْخُذَا شَيْئًا حَتَّى شَهِدَا عَلَى الثَّالِثِ أَنَّهُ أَخَذَ مَالًا وَصَالَحَ عَلَيْهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ بِهَا إلَى أَنْفُسِهِمَا مَغْنَمًا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُمَا حَقُّ الْمُشَارَكَةِ مَعَ الْقَابِضِ فِي الْمَقْبُوضِ وَشَهَادَةُ جَارِّ الْمَغْنَمِ، أَوْ دَافِعِ الْمَغْرَمِ لَا تُقْبَلُ.

وَإِنْ شَهِدَ وَارِثَانِ عَلَى الْمَقْتُولِ أَنَّهُ عَفَا عِنْدَ مَوْتِهِ عَنْ الْقَاتِلِ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ، وَالْعَفْوُ مِنْ ثُلُثِهِ فَإِنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي شَهَادَتِهِمَا، فَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى عَفْوِ الْوَرَثَةِ وَهُمْ كِبَارٌ فَأَجَازَهُ الْقَاضِي وَأَبْرَأَ الْقَاتِلَ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ضُمِّنَا الدِّيَةَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ هُوَ الْمَالُ لِلْوَرَثَةِ، وَقَدْ أَتْلَفَا ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِشَهَادَتِهِمَا فَيُضَمَّنَانِ عِنْدَ الرُّجُوعِ كَمَا لَوْ شَهِدَا بِالْإِبْرَاءِ عَنْ دَيْنٍ آخَرَ.

وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فِي دَمِ الْعَمْدِ عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ بِعَيْنِهِ أَنَّهُ أَخَّرَ الْقَاتِلَ الْيَوْمَ إلَى اللَّيْلِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَفْوًا وَلَا مَالَ لَهُ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا التَّأْخِيرِ إسْقَاطُ شَيْءٍ مِنْ الْقَوَدِ وَالْقَوَدُ الْوَاجِبُ لَهُ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ، فَالتَّأْجِيلُ فِيهِ يَكُونُ بَاطِلًا وَلَا مَالَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا بِهَذَا التَّأْخِيرِ، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ فَهَذَا عَفْوٌ، وَهُوَ صُلْحٌ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ إسْقَاطٌ لِلْقَوَدِ، وَهُوَ لَا يَقْبَلُ التَّوْقِيتَ فَيَلْغُو التَّوْقِيتُ مِنْهُ وَيَصِحُّ الْعَفْوُ بِالْمَالِ الْمُسَمَّى بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ وَذُكِرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: وَجَدَ رَجُلٌ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُمَا بِالسَّيْفِ فَاسْتَحْيَا بَعْضُ إخْوَتِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>