مِمَّا فَعَلَتْ فَعَفَا عَنْهُ، فَجَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ السِّكِّينَ فَوَجَأَ بِهِ رَأْسَ إنْسَانٍ فَأَوْضَحَهُ، ثُمَّ جَرَّ السِّكِّينَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَهَا حَتَّى شَجَّهُ أُخْرَى فَهَذِهِ مُوضِحَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَيْهِ فِيهَا الْقِصَاصُ إنْ كَانَتْ عَمْدًا وَأَرْشُ مُوضِحَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ كَانَتْ خَطَأً؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ مَحَلِّهِ، فَالتَّوَسُّعُ مُبَالَغَةٌ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ فِعْلٍ آخَرَ وَلَوْ رَفَعَ السِّكِّينَ، ثُمَّ وَجَأَ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى اتَّصَلَ، أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ فَهَذِهِ مُوضِحَةٌ أُخْرَى: اُقْتُصَّ مِنْهُ فِي الْعَمْدِ وَعَلَيْهِ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ فِي الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُمَا فِعْلَانِ مُخْتَلِفَانِ بِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ وَاخْتِلَافِ الْمُبَاشَرَةِ فَكَأَنَّهُمَا حَصَلَا مِنْ اثْنَيْنِ، ثُمَّ اتِّصَالُ أَحَدِهِمَا بِالْأُخْرَى عَلَى وَجْهَيْنِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ فِيهِمَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِأَنْ تَآكَلَ مَا بَيْنَهُمَا حَتَّى اتَّصَلَتْ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا قِصَاصَ فِيهِمَا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ فَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ بِاعْتِبَارِ السِّرَايَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يَمْتَنِعُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَفِي مَجْلِسٍ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ الْمَحْضَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا يَتَحَقَّقُ بِالسَّرَايَةِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَتْ السِّرَايَةُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ إيجَابُ الْقِصَاصِ فِيهَا لَمْ يَمْتَنِعْ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِسَبَبِهَا وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا إذَا قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ إلَى جَنْبِهَا أُخْرَى، أَوْ سَقَطَتْ.
وَإِذَا فَقَأَ الرَّجُلُ عَيْنَ الرَّجُلِ وَفِي عَيْنِ الْفَاقِئِ نَقْصٌ، فَالْمَفْقُوءَةُ عَيْنُهُ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْبَصَرِ فِي الْعَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الشَّلَلِ أَوْ فَوَاتِ الْأُصْبُعِ فِي الْيَدِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هُنَاكَ إنْ كَانَ النُّقْصَانُ فِي جَانِبِ الْجَانِي، فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَبَيْنَ اسْتِيفَاءِ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ فِي جَانِبِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ كَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا حُكْمُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ كَمَالَ الْأَرْشِ بِاعْتِبَارِ تَفْوِيتِ الْبَصَرِ الْكَامِلِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَالْقَدْرُ الْبَاقِي مِنْ الْبَصَرِ مَعَ النُّقْصَانِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ فِيهِمَا حُكْمُ عَدْلٍ كَمَنْ قَطَعَ يَدًا شَلَّاءَ.
وَلَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَفِيهَا ظُفْرٌ مُسَوَّدٌ لَوْ خَرَجَ لَا يَنْقُصُهَا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ مَا حَدَثَ فِي يَدِهِ لَمْ يُنْقِصْ مِنْ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ شَيْئًا وَمِثْلُهُ لَا يُمَكِّنُ نُقْصَانًا فِي بَدَلِهِ كَالصِّغَرِ وَسَوَادِ الْيَدِ أَصْلًا، وَإِذَا ثَبَتَتْ الْمُسَاوَاةُ فِي الْأَرْشِ ثَبَتَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ.
وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ مِنْ كَفِّ الرَّجُلِ أَظْفَارَ يَدِهِ فَفِيهَا حُكْمُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَا تُفَوِّتُ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ، وَلَكِنْ يَتَمَكَّنُ فِيهَا نُقْصَانٌ فَيَجِبُ بِاعْتِبَارِهِ حُكْمُ عَدْلٍ، وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الْوَاجِبَ حُكْمُ الْعَدْلِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَنْبَنِي عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْبَدَلِ حَقِيقَةً وَلَوْ قَطَعَ مِنْ كَفِّ رَجُلٍ أُصْبُعًا زَائِدًا فَفِيهَا حُكْمُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ الْأُصْبُعَ الزَّائِدَةَ نُقْصَانُ مَعْنًى فَتَفْوِيتُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute