للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اجْعَلْ زَيْدًا وَعُمَرًا فِي الْعَطِيَّةِ سَوَاءً ثُمَّ يَقُولُ: أَعْطِ زَيْدًا دِرْهَمًا كَانَ ذَلِكَ تَنْصِيصًا عَلَى أَنَّهُ يُعْطِي عَمْرًا أَيْضًا دِرْهَمًا فَإِنْ تَذَكَّرَ فَنَزَعَ نَفْسَهُ مِنْ سَاعَتِهِ فَصَوْمُهُ تَامٌّ، وَكَذَا الَّذِي طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ، وَهُوَ مُخَالِطٌ لِأَهْلِهِ إذَا نَزَعَ نَفْسَهُ مِنْ سَاعَتِهِ فَصَوْمُهُ تَامٌّ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِمَا جَمِيعًا يَقْضِي الصَّوْمَ لِوُجُودِ جُزْءٍ مِنْ الْمُوَاقَعَةِ، وَإِنْ قَلَّ بَعْدَ التَّذَكُّرِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ.

(وَلَنَا) أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ بَعْدَ التَّذَكُّرِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ إلَّا الِامْتِنَاعُ مِنْ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَذَلِكَ رُكْنُ الصَّوْمِ فَلَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي نَوَادِرِ الصَّوْمِ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ يَقْضِي بِخِلَافِ النَّاسِي وَالْفَرْقُ أَنَّ اقْتِرَانَ الْمُوَاقَعَةِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ الصَّوْمِ، وَفِي النَّاسِي صَوْمُهُ كَانَ مُنْعَقِدًا وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَرْفَعُهُ، وَهُوَ اقْتِضَاءُ الشَّهْوَةِ بَعْدَ التَّذَكُّرِ فَبَقِيَ صَائِمًا فَإِنْ أَتَمَّ الْفِعْلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ إلَّا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ يَجْعَلُ اسْتِدَامَةَ الْفِعْلِ بَعْدَ التَّذَكُّرِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ كَالْإِنْشَاءِ.

(وَلَنَا) أَنَّ الشُّبْهَةَ قَدْ تَمَكَّنَتْ فِي فِعْلِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ ابْتِدَاءَهُ لَمْ يَكُنْ جِنَايَةً وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الَّذِي طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ إذَا أَتَمَّ الْفِعْلَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَذَكَّرَ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْفِعْلِ مِنْ جِنْسِ أَوَّلِهِ وَفِي الَّذِي طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ أَوَّلُ فِعْلِهِ عَمْدٌ فَكَذَلِكَ آخِرُهُ بِخِلَافِ النَّاسِي فَإِنْ ذُكِّرَ النَّاسِي فَلَمْ يَتَذَكَّرْ وَأَكَلَ مَعَ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ أَنَّ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِبَقَاءِ الْمَانِعِ، وَهُوَ النِّسْيَانُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَفْسُدُ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ قَدْ لَزِمَهُ حِينَ ذُكِّرَ وَعَدَمُ التَّذَكُّرِ بَعْدَ مَا ذُكِّرَ نَادِرٌ فَلَا يُعْتَبَرُ

(قَالَ): وَإِذَا تَمَضْمَضَ الصَّائِمُ فَسَبَقَهُ الْمَاءُ فَدَخَلَ حَلْقَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فَصَوْمُهُ تَامٌّ كَمَا لَوْ شَرِبَ، وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ثُمَّ عُذْرُ هَذَا أَبْيَنُ مِنْ عُذْرِ النَّاسِي فَإِنَّ النَّاسِيَ قَاصِدٌ إلَى الشُّرْبِ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى الْجِنَايَةِ عَلَى الصَّوْمِ، وَهَذَا غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى الشُّرْبِ وَلَا إلَى الْجِنَايَةِ عَلَى الصَّوْمِ فَإِذَا لَمْ يَفْسُدْ الصَّوْمُ ثَمَّةَ فَهُنَا أَوْلَى.

(وَلَنَا) مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَلَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ بَالِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» فَالنَّهْيُ عَنْ الْمُبَالَغَةِ الَّتِي فِيهَا كَمَالُ السُّنَّةِ عِنْدَ الصَّوْمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ دُخُولَ الْمَاءِ فِي حَلْقِهِ مُفْسِدٌ لِصَوْمِهِ؛ وَلِأَنَّ رُكْنَ الصَّوْمِ قَدْ انْعَدَمَ مَعَ عُذْرِ الْخَطَأِ وَأَدَاءِ الْعِبَادَةِ بِدُونِ رُكْنِهَا لَا يُتَصَوَّرُ وَهَكَذَا الْقِيَاسُ فِي النَّاسِي وَلَكِنَّا تَرَكْنَاهُ بِالسُّنَّةِ، وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>