التَّحَرُّزَ عَنْ النِّسْيَانِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَالتَّحَرُّزَ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْخَطَأِ مُمْكِنٌ ثُمَّ رُكْنُ الصَّوْمِ قَدْ انْعَدَمَ مَعْنًى فَإِنَّ الَّذِي حَصَلَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا قَدْ انْعَدَمَ صُورَةً لَا مَعْنًى بِأَنْ يَتَنَاوَلَ حَصَاةً فَسَدَ صَوْمُهُ فَإِذَا انْعَدَمَ مَعْنًى أَوْلَى؛ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْمَعَانِي فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ أَبْيَنُ مِنْ مُرَاعَاةِ الصُّوَرِ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: إنْ كَانَ وُضُوءُهُ فَرْضًا لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ، وَإِنْ كَانَ نَفْلًا فَسَدَ صَوْمُهُ لِهَذَا. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ: إنْ كَانَ فِي الثَّلَاثِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَإِنْ جَاوَزَ الثَّلَاثَ يَفْسُدُ صَوْمُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَصْلَ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الْوُضُوءِ وَالْجَنَابَةِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ رَفْعُ الْإِثْمِ دُونَ الْحُكْمِ وَبِهِ نَقُولُ
(قَالَ): وَالِاكْتِحَالُ لَا يَضُرُّ الصَّائِمَ، وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ يَكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَكْتَحِلَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى كَانَ يَقُولُ: إنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ فَطَّرَهُ لِوُصُولِ الْكُحْلِ إلَى بَاطِنِهِ.
(وَلَنَا) حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعَا بِمُكْحُلَةِ إثْمِدٍ فِي رَمَضَانَ فَاكْتَحَلَ، وَهُوَ صَائِمٌ». وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْ بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَيْنَاهُ مَمْلُوءَتَانِ كُحْلًا كَحَّلَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ» وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ فَرْضًا ثُمَّ صَارَ مَنْسُوخًا ثُمَّ مَا وَجَدَ مِنْ الطَّعْمِ فِي حَلْقِهِ أَثَرُ الْكُحْلِ لَا عَيْنُهُ كَمَنْ ذَاقَ شَيْئًا مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْمُرَّةِ يَجِدُ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ فَهُوَ قِيَاسُ الْغُبَارِ وَالدُّخَانِ، وَإِنْ وَصَلَ عَيْنُ الْكُحْلِ إلَى بَاطِنِهِ فَذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْمَسَامِّ لَا مِنْ قِبَلِ الْمَسَالِكِ إذْ لَيْسَ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْحَلْقِ مَسْلَكٌ فَهُوَ نَظِيرُ الصَّائِمِ يَشْرَعُ فِي الْمَاءِ فَيَجِدُ بُرُودَةَ الْمَاءِ فِي كَبِدِهِ، وَذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ وَعَلَى هَذَا إذَا دَهَنَ الصَّائِمُ شَارِبَهُ فَأَمَّا السَّعُوطُ وَالْوَجُورُ يُفْطِرُهُ لِوُصُولِهِ إلَى أَحَدِ الْجَوْفَيْنِ إمَّا الدِّمَاغُ، أَوْ الْجَوْفُ وَالْفِطْرُ مِمَّا يَدْخُلُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْجِنَايَةِ لَا يَتِمُّ بِهِ فَإِنَّ اقْتِضَاءَ الشَّهْوَةِ لَا يَحْصُلُ بِهِ إلَّا فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ عُذْرٌ.
وَالْحُقْنَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ لِوُصُولِ الْمُفْطِرِ إلَى بَاطِنِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الرَّضِيعِ إذَا احْتَقَنَ بِلَبَنِ امْرَأَةٍ لَا يَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةٌ لِرَضَاعٍ إلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ إنْبَاتُ اللَّحْمِ وَانِشَازُ الْعَظْمِ، وَذَلِكَ بِمَا يَحْصُلُ إلَى أَعَالِي الْبَدَنِ لَا إلَى إلَّا سَافِلِ فَأَمَّا الْفِطْرُ يَحْصُلُ بِوُصُولِ الْمُفْطِرِ إلَى بَاطِنِهِ لِانْعِدَامِ الْإِمْسَاكِ بِهِ وَالْإِقْطَارُ فِي الْأُذُنِ كَذَلِكَ يُفْسِدُ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ وَالدِّمَاغُ أَحَدُ الْجَوْفَيْنِ فَأَمَّا الْإِقْطَارُ فِي الْإِحْلِيلِ لَا يُفْطِرُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَيُفْطِرُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَحَكَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute