للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِيهِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا صَبَّ الدُّهْنَ فِي إحْلِيلِهِ فَوَصَلَ إلَى مَثَانَتِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ قَرِيبٌ فَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ مِنْ الْمَثَانَةِ إلَى الْجَوْفِ مَنْفَذٌ حَتَّى لَا تَقْدِرُ الْمَرْأَةُ عَلَى اسْتِمْسَاكِ الْبَوْلِ وَالْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَا فَإِنَّ أَهْلَ الطِّبِّ يَقُولُونَ: الْبَوْلُ يَخْرُجُ رَشْحًا وَمَا يَخْرُجُ رَشْحًا لَا يَعُودُ رَشْحًا وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُنَاكَ مَنْفَذٌ عَلَى صُورَةِ حَرْفِ الْخَاءِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَعُودَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يُصَبُّ فِي الْإِحْلِيلِ فَأَمَّا الْجَائِفَةُ وَالْآمَّةُ إذَا دَاوَاهُمَا بِدَوَاءٍ يَابِسٍ لَمْ يُفْطِرْهُ، وَإِنْ دَوَاهُمَا بِدَوَاءٍ رَطْبٍ فَسَدَ صَوْمُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَمْ يَفْسُدْ فِي قَوْلِهِمَا وَالْجَائِفَةُ اسْمٌ لِجِرَاحَةٍ وَصَلَتْ إلَى الْجَوْفِ وَالْآمَّةُ اسْمٌ لِجِرَاحَةٍ وَصَلَتْ إلَى الدِّمَاغِ فَهُمَا يَعْتَبِرَانِ أَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْبَاطِنِ مِنْ مَسْلَكٍ هُوَ خِلْقَةٌ فِي الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ لِلصَّوْمِ مَا يَنْعَدِمُ بِهِ الْإِمْسَاكُ الْمَأْمُورُ بِهِ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْإِمْسَاكِ لِأَجْلِ الصَّوْمِ مِنْ مَسْلَكٍ هُوَ خِلْقَةٌ دُونَ الْجِرَاحَةِ الْعَارِضَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: الْمُفْسِدُ لِلصَّوْمِ وُصُولُ الْمُفَطِّرِ إلَى بَاطِنِهِ فَالْعِبْرَةُ لِلْوَاصِلِ لَا لِلْمَسْلَكِ وَقَدْ تَحَقَّقَ الْوُصُولُ هُنَا، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَرْقٌ بَيْنَ الدَّوَاءِ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْوُصُولِ حَتَّى إذَا عَلِمَ أَنَّ الدَّوَاءَ الْيَابِسَ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الرَّطْبَ لَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الْيَابِسَ وَالرَّطْبَ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ فَالْيَابِسُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْجِرَاحَةِ لِاسْتِمْسَاكِ رَأْسِهَا بِهِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْبَاطِنِ، وَالرَّطْبُ يَصِلُ إلَى الْبَاطِنِ عَادَةً فَلِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَا قُلْنَا أَنَّ الْيَابِسَ يَتَرَطَّبُ بِرُطُوبَةِ الْجِرَاحَةِ

(قَالَ): رَجُلٌ أَصْبَحَ فِي أَهْلِهِ صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ لَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَصْبَحَ مُقِيمًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الصَّوْمِ فِي هَذَا الْيَوْمِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا أَنْشَأَ السَّفَرَ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ مَا تَقَرَّرَ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ بِسَبَبِ اقْتِرَانِ الْمُبِيحِ لِلْفِطْرِ فَإِنَّ السَّفَرَ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ فِي الْجُمْلَةِ فَصُورَتُهُ، وَإِنْ لَمْ تُبَحْ تُمَكِّنْ شُبْهَةً، وَكَفَّارَةُ الْفِطْرِ تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِوَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ اعْتِبَارًا لِآخِرِ النَّهَارِ بِأَوَّلِهِ، وَهَذَا بَعِيدٌ فَإِنَّ فِي أَوَّلِهِ يَتَعَرَّى فِطْرُهُ عَنْ الشُّبْهَةِ وَبَعْدَ السَّفَرِ يَقْتَرِنُ السَّبَبُ الْمُبِيحُ بِالْفِطْرِ، وَلَوْ وُجِدَ هَذَا السَّبَبُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لَكَانَ الْفِطْرُ يُبَاحُ لَهُ فَإِذَا وُجِدَ فِي آخِرِهِ يَصِيرُ شُبْهَةً

(قَالَ): رَجُلٌ أَصْبَحَ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا ثُمَّ أَفْطَرَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَحُجَّتُهُ حَدِيثُ «أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاوَلَهَا فَضْلَ سُؤْرِهِ فَشَرِبَتْ ثُمَّ قَالَتْ إنِّي كُنْتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>