للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ أَنَّهُ قَطَعَ أُصْبُعًا لَهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ لَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِ الْأَلْفِ لَهُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ نَكَلُوا جَمِيعًا قَضَيْت عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَيْنِ ظَهَرَا بِالْحَجْرِ عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِنْ طَلَبَ الْوَلِيُّ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اتَّصَلَتْ بِفِعْلِهِ السِّرَايَةُ كَانَ ذَلِكَ قَتْلًا فَيَكُونُ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ مَقْصُودًا دُونَ الْأَطْرَافِ، وَقَدْ بَيَّنَّا خِلَافَ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا.

وَلَوْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ الْمَفْصِلِ عَمْدًا، ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا كَانَ لِوَارِثِهِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ يَقْتُلَهُ، فَإِنْ قَالَ الْقَاضِي لَهُ اُقْتُلْهُ وَلَا تَقْتَصَّ مِنْ يَدِهِ فَذَلِكَ حَسَنٌ أَيْضًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِهِ وَلَا يَجْعَلُ لَهُ الْقِصَاصَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ تَوَالَيَا مِنْ وَاحِدٍ وَهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَكُونَانِ كَجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ (أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي الْخَطَأَ لَوْ قَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ لَا تَجِبُ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِهَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا؛ لِأَنَّ قَبْلَ الْبُرْءِ الْجِنَايَةُ الْأُولَى كَانَتْ مَوْقُوفَةً فِي حَقِّ الْحُكْمِ عَلَى السِّرَايَةِ، فَالْفِعْلُ الثَّانِي يَكُونُ إتْمَامًا لِمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ الْجِنَايَةُ الْأُولَى فَيُجْعَلَانِ كَجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الْجِنَايَتَيْنِ بُرْءٌ فَإِنَّ هُنَاكَ الْأُولَى قَدْ انْتَهَتْ وَاسْتَقَرَّ حُكْمُهَا بِالْبُرْءِ فَتَكُونُ الثَّانِيَةُ جِنَايَةً أُخْرَى بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ جُعِلَتْ عَلَى نَفْسٍ أُخْرَى وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْجَانِي اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مِنْ الْأَوَّلِ مَا تَوَقَّفَ عَلَى أَنْ يَصِيرَ بِالسِّرَايَةِ فِعْلًا مُضَافًا إلَى شَخْصٍ آخَرَ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الثَّانِي إتْمَامًا لِلْأَوَّلِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُ الْفِعْلَيْنِ عَمْدًا، وَالْآخَرُ خَطَأً؛ لِأَنَّ بِاخْتِلَافِ صِفَةِ الْفِعْلِ يَخْتَلِفُ الْمُوجِبُ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الثَّانِي إتْمَامًا لِلْأَوَّلِ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الْفَاعِلُ، أَوْ مَحَلُّ الْفِعْلِ.

وَإِيضَاحُ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا فِي فَصْلِ الْخَطَأِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ لَا تَجِبُ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَذَا هُنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَنَّ الْقِصَاصَ يُبْنَى عَلَى الْمُسَاوَاةِ فِي الْفِعْلِ، وَالْمَقْصُودُ بِالْفِعْلِ فِي الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ جَمِيعًا مُرَاعَاةُ الْمُسَاوَاةِ فِي صُورَةِ الْفِعْلِ جَمِيعًا فَيَتَخَيَّرُ الْوَلِيُّ بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يَقْطَعَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ هَذَا الْخِيَارَ بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِاعْتِبَارِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الْقَتْلُ وَأَنْ يَتْرُكَ الِاسْتِيفَاءَ بِمُرَاعَاةِ الصُّورَةِ وَهَذَا مِنْهُ اجْتِهَادٌ فِي مَوْضِعِهِ فَعَلَيْهِ أَمْرُهُ بِهِ وَبِهِ فَارَقَ الْخَطَأَ، فَالْمُعْتَبَرُ هُنَاكَ صِيَانَةُ الْمَحَلِّ عَنْ الْإِهْدَارِ لَا صُورَةُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ مَوْضُوعٌ عَنَّا رَحْمَةً مِنْ الشَّرْعِ عَلَيْنَا، ثُمَّ مَبْنِيٌّ الْعَمْدُ عَلَى التَّغْلِيظِ، وَالتَّشْدِيدِ؛ وَلِهَذَا يُقْتَلُ الْعَشَرَةُ بِالْوَاحِدِ وَفِيهِ مُرَاعَاةُ صُورَةِ الْفِعْلِ مَعَ التَّغْلِيظِ أَيْضًا فَيَجُوزُ اعْتِبَارُ ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ بِخِلَافِ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْقَاتِلِينَ وَفِي الْعَمْدِ الْمَقْصُودِ، هُوَ التَّشَفِّي، وَالِانْتِقَامُ وَفِي التَّمَكُّنِ مِنْ الْقَطْعِ، وَالْقَتْلِ جَمِيعًا زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ فِي هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>