لَا يُورِثُ شُبْهَةً، ثُمَّ الْفَرْقُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ أَنَّ هُنَاكَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى الْقَضَاءِ، وَهُوَ الشَّهَادَةُ عَلَى الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ نَسَبَهُ إلَى الزِّنَا لَمَّا انْتَزَعَ مَعْنَى الشَّهَادَةِ مِنْ كَلَامِهِ بِرُجُوعِهِ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ سَابِقًا عَلَى الْقَضَاءِ هُنَاكَ فَأَمَّا هُنَا، فَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْقَوَدِ مُبَاشَرَةُ الْقَتْلِ وَذَلِكَ وُجِدَ مِنْهُمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ فَيَكُونُ صُورَةُ الْقَضَاءِ شُبْهَةً.
وَيَتَّضِحُ كَلَامُنَا فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ وَجَحَدَ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُمَا بَاشَرَا الْقَتْلَ، وَالْجَاحِدُ مِنْهُمَا مُحِقٌّ حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ فَيَكُونُ هَذَا أَقْوَى فِي التَّأْثِيرِ مِنْ الْخَاطِئِ إذَا شَارَكَ الْعَامِدَ فِي الْقَتْلِ وَهُنَاكَ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُنَا أَوْلَى، وَإِذَا سَقَطَ الْقَوَدُ وَجَبَ عَلَى الرَّاجِعِ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِإِقْرَارِهِ بِالْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَمَا يَجِبُ بِالْإِقْرَارِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ قَتَلَ الْقَاتِلَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَهُمَا عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ، أَوْ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ لَهُمَا بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَرَّ هُوَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَأَنَّ الْأَبَ حَيٌّ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَرِنْ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ عَلَيْهِ شُبْهَةُ قَضَاءٍ مَانِعٍ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ شَيْئًا، وَلَكِنَّ الْآخَرَ قَالَ: قَدْ كُنْتُ عَفَوْتُ، أَوْ كُنْت أُرِيدُ أَنْ أَعْفُوَ، أَوْ كُنْتُ صَالَحْتُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى أَخِيهِ؛ لِأَنَّ إقْرَاره بِذَلِكَ حِينَئِذٍ مُتَمَثِّلٌ بَيْنَ الصِّدْقِ، وَالْكَذِبِ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَذِبًا إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ فِي أَنَّهُ يُلْزِمُهُ شَيْئًا بِقَوْلٍ قَالَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى أَخِيهِ.
وَإِنْ كَانَ أَخَذَ غَيْرَ حَقِّهِ مِنْ قِبَلِ الشَّرِكَةِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ هَذَا بَعْدَ مَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لَهُمَا عَلَى الْقَتْلِ وَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ، ثُمَّ هُوَ ظَاهِرٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ قَدْ وَجَبَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي جَمِيعِ الْقَوَدِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَيَكُونُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ وَعِنْدَهُمَا الْوَاجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضُ الْقَوَدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَجْلِ الشَّرِكَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ إلَّا بِاسْتِيفَاءِ مَا بَقِيَ وَفِعْلُهُ فِي نَصِيبِهِ اسْتِيفَاءٌ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ، فَإِذَا خَرَجَ بَعْضُ فِعْلِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ خَرَجَ جَمِيعُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي وَبَعْدَ مَا لَمْ يَكُنْ أَصْلُ فِعْلِهِ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ لَا يَصِيرُ مُوجِبًا بِإِقْرَارِ أَخِيهِ، فَإِنْ أَقَامَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ بَيِّنَةً عَلَى هَذَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ صَالَحَ عَلَى كَذَا قَبْلَ أَنْ يَقْتُلَ الْآخَرَ، أَوْ كَانَ عَفَا أَجَزْت ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي يُقِيمُهَا مَنْ هُوَ خَصْمٌ كَالثَّابِتِ بِاتِّفَاقِ الْخُصُومِ، ثُمَّ الْقَاتِلُ يَكُونُ ضَامِنًا لِلدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاشَرَ الْقَتْلَ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَقَدْ سَقَطَ الْقَوَدُ عَنْهُ لِلشُّبْهَةِ حِينَ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِصُلْحِ أَخِيهِ وَعَفْوِهِ وَيَجِبُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ بِعَفْوِ أَخِيهِ انْقَلَبَ نَصِيبُهُ مَالًا عَلَى الْقَاتِلِ، وَقَدْ اسْتَوْجَبَ الْقَاتِلُ عَلَيْهِ كَمَالَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ أَيْضًا فَيَكُونُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute