الْوَلِيِّ فَإِنَّ اسْتِيفَاءَ الْوَلِيِّ بِمَنْزِلَةِ شَرْطٍ بِقَدْرِ جِنَايَتِهِ، وَمَنْ ضَمِنَ بِجِنَايَتِهِ عَلَى النَّفْسِ لَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ فَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَإِنَّمَا رَجَعَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَقْبُوضِ، وَهُوَ الدِّيَةُ، وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْمُسْتَوْفِي بِصَرْفِهِ إلَى حَاجَتِهِ وَهَذَا سَبَبٌ آخَرُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ لِلشَّاهِدِ، وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ بِالْمَالِ قَوْلُهُمَا إنَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يُجْعَلُ هُوَ قَائِمًا مُقَامَ مَنْ ضَمِنَهُ قُلْنَا هَذَا أَنْ لَوْ بَقِيَ حَقُّ مَنْ ضَمِنَهُ قَبْلَ الْوَلِيِّ وَاخْتِيَارِهِ فَتَضْمِينُ الشَّاهِدِ إبْرَاءٌ مِنْهُ لِلْوَلِيِّ فَكَيْفَ يَقُومُ الشَّاهِدُ مُقَامَهُ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ بِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ السَّبَبُ مُوجِبًا لِلْمِلْكِ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي بَدَلِهِ قُلْنَا هَذَا أَنْ لَوْ كُنَّا فِي الْأَصْلِ نَتَوَهَّمُ الْمِلْكَ فِي الضَّمَانِ، وَلَيْسَ فِي الْقِصَاصِ تَوَهُّمُ الْمِلْكِ بِالضَّمَانِ بِحَالٍ فَلَا يَنْعَقِدُ السَّبَبُ بِاعْتِبَارِ الْحَلِفِ كَيَمِينِ الْغَمُوسِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِصَاصُ مِلْكًا لَهُمَا لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُتْلِفُ عَلَيْهِمَا كَمَا إذَا شَهِدَا عَلَى الْوَلِيِّ بِالْعَفْوِ وَقَتَلَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إنْسَانٌ آخَرُ فَلَيْسَ لَهُ الْقِصَاصُ قَبْلَ الضَّمَانِ وَانْعِقَادُ السَّبَبِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ حَقِيقَةً، وَإِذَا كَانَ الْمُتْلِفُ لِلْقِصَاصِ لَا يَضْمَنُهُ لِلْمَالِكِ، فَكَيْف يَضْمَنُهُ لِمَنْ انْعَقَدَ لَهُ السَّبَبُ؟ وَبِهِ فَارَقَ مَسْأَلَةَ غَصْبِ الْمُدَبَّرِ وَالْكِتَابَةِ، فَإِنَّ هُنَاكَ لَوْ كَانَ مَالِكًا حَقِيقَةً لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُتْلِفُ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا جُعِلَ كَالْمَالِكِ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ انْعِقَادِ السَّبَبِ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْبَدَلِ لِذَلِكَ.
وَلَوْ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ دُونَ الْوَلِيِّ فَقَالَ الْوَلِيُّ أَنَا أَجِيءُ بِشَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَتَلَ الْقَاتِلَ لَمْ أَلْتَفِتْ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ وَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُصِرًّا عَلَى دَعْوَاهُ وَلَمْ يَظْهَرْ الْقَتِيلُ فَلَوْ قُبِلَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ إنَّمَا تُقْبَلُ لِإِسْقَاطِ ضَمَانِ الدِّيَةِ عَلَى الرَّاجِعَيْنِ وَهُمَا لَا يَدَّعِيَانِ ذَلِكَ، بَلْ يُكَذَّبَانِ الشَّاهِدَيْنِ وَيُقِرَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالدِّيَةِ لِنِسْبَتِهِمْ لِلْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا فَائِدَةَ فِي قَبُولِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ.
وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُ شَاهِدَيْ الدَّمِ مَعَ آخَرَ عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ كَانَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ، أَوْ عَبْدًا فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ تَقُومُ لِإِبْطَالِ قَضَاءِ الْقَاضِي لَا لِإِثْبَاتِ مِلْكٍ، أَوْ حَقٍّ لِأَحَدٍ بِعَيْنِهِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى إبْطَالِ قَضَاءِ الْقَاضِي لَا تُقْبَلُ وَلَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ بِهَذَا لَا يَصِيرُ رَاجِعًا، فَقَدْ يَكُونُ هُوَ مُحِقًّا فِي شَهَادَتِهِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ عَبْدًا، أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ وَأَمَّا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، فَهُوَ ثَابِتٌ عَلَى شَهَادَتِهِ مُنْكِرٌ لِمَا شَهِدَ بِهِ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ عَبْدٌ لِهَذَا الْمُدَّعِي فَيَصِيرُ بِهِ عَبْدًا لَهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ تَقُومُ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكُ لِلْمُدَّعِي، فَإِذَا قُبِلَتْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ فِي قَضَائِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ فَيَكُونُ ضَمَانُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ وَقَعَ الضَّمَانُ لَهُ، وَهُوَ الْوَلِيُّ وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُخْطِئًا فِي الْقَتْلِ، وَأَنَّمَا ظَهَرَ بِمَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ وَبِهَذَا الْفَصْلِ تَبَيَّنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute