أَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْجِعْ الشُّهُودُ، وَالْوَلِيُّ، وَلَكِنْ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا فَإِنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَلِيِّ، وَالشُّهُودِ وَيُتَخَيَّرُ وَلِيُّ الْقَتِيلِ فِي ذَلِكَ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي مَالِهِمْ إذَا رَجَعُوا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ بِالِاعْتِرَافِ.
وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالدَّمِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ فَلَمْ يَقْتُلْ حَتَّى رَجَعَا اسْتَحْسَنْتُ أَنْ أَدْرَأَ الْقِصَاصَ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرُ وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ فَيَتِمُّ الْقَضَاءُ بِنَفْسِهِ، وَالرُّجُوعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ كَالْمَالِ، وَالنِّكَاحِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِالنِّكَاحِ، ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ لَا يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْوَطْءِ عَلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْقِصَاصِ يُحْتَاطُ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَكَذَلِكَ فِي الْوَطْءِ وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالْغَلَطُ فِيهِ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْحُدُودِ فَكَمَا أَنَّ فِي الْحُدُودِ لَا يَتِمُّ الْقَضَاءُ بِنَفْسِهِ وَيَجْعَلُ رُجُوعَ الشُّهُودِ مَعَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بِمَنْزِلَةِ الرُّجُوعِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَكَذَلِكَ فِي الْقِصَاصِ بِخِلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ وَبِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ هُنَاكَ يَنْعَقِدُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَهَاهُنَا مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا مِنْ الْقِصَاصِ لَا يَصِيرُ وَاجِبًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْحُجَّةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَأَصْلُ شَهَادَةِ الشُّهُودِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَى حُجَّةٌ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ يَمْتَنِعُ الِاسْتِيفَاءُ وَكُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِغَيْرِ صُلْحٍ فَهِيَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ وَتَقَوُّمُ الدَّمِ بِالْمَالِ ثَابِتٌ شَرْعًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا قَوَّمَهُ الشَّرْعُ بِمَالٍ مُؤَجَّلٍ فَكَمَا لَا يُزَادُ فِي قَدْرِ ذَلِكَ بِحَالٍ فَكَذَلِكَ لَا يُزَادُ فِي صِفَتِهِ بِأَنْ يُجْعَلَ حَالًّا.
وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالدَّمِ فَاقْتُصَّ مِنْ الْقَاتِلِ، ثُمَّ قَالَا: أَخْطَأْنَا إنَّمَا الْقَاتِلُ هَذَا لَمْ يُصَدَّقَا عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالْقَتْلِ وَغَرِمَا الدِّيَةَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُمَا - رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إبْرَاهِيمَ يَعْنِي فِي السَّرِقَةِ.
وَلَوْ شَهِدَا بِدَمٍ عَلَى رَجُلَيْنِ فَقُتِلَا بِشَهَادَتِهِمَا، ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمَا فِي أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةِ هَذَا الرَّجُلِ الْوَاحِدِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا يَضْمَنُ مِنْ دِيَةِ الْآخَرِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ شَهَادَتِهِ فِيهِ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي حَقِّ الْآخَرِ مَنْ يُقَوِّمُ بِهِ نِصْفَ الْحَقِّ فَيَجِبُ عَلَى الرَّاجِعِ نِصْفُ دِيَتِهِ وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ وَادَّعَى عَلَيْهِ أَوْلِيَاءُ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ وَسَأَلُوا يَمِينَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ يَمِينٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ لَمْ يُقْبَلْ فَكَيْفَ يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فَكَانَتْ هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلَةً مِنْهُمْ، وَإِنْ رَجَعَ الشَّاهِدُ فَلَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَمَاتَ أُخِذَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ حَالًا لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ لَهُ عَنْ الْأَجَلِ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute