للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَيَصِيرُ بِالْإِفْطَارِ جَانِيًا فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الضِّيَافَةِ هَلْ تَكُونُ عُذْرًا؟ فَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ عُذْرٌ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا وَرَوَى ابْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَكُونُ عُذْرًا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي ضِيَافَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَامْتَنَعَ رَجُلٌ مِنْ الْأَكْلِ فَقَالَ: إنِّي صَائِمٌ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّمَا دَعَاك أَخُوك لِتُكْرِمَهُ فَأَفْطِرْ وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ» وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» أَيْ فَلْيَدْعُ لَهُمْ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الشِّرْكُ وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ فَقِيلَ، أَوْ تُشْرِكُ أُمَّتُك بَعْدَك فَقَالَ: لَا وَلَكِنَّهُمْ يُرَاءُونَ بِأَعْمَالِهِمْ فَقِيلَ وَمَا الشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ فَقَالَ: أَنْ يُصْبِحَ أَحَدُهُمْ صَائِمًا ثُمَّ يُفْطِرْ عَلَى طَعَامٍ يَشْتَهِيهِ» وَسَوَاءٌ كَانَ الْفِطْرُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَالْقَضَاءُ وَاجِبٌ وَكَذَلِكَ سَوَاءٌ حَصَلَ الْفِطْرُ بِصُنْعِهِ، أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ حَتَّى إذَا حَاضَتْ الصَّائِمَةُ تَطَوُّعًا فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إذَا افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ أَبْصَرَ الْمَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْخُرُوجُ هُنَا مَا كَانَ بِصُنْعِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ لِلْإِتْمَامِ كَالنَّذْرِ مُوجِبٌ لِلْأَدَاءِ، وَأَنَّهُ مَتَى تَعَذَّرَ الْإِتْمَامُ بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ

(قَالَ): رَجُلٌ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَلَمْ يُفِقْ إلَّا بَعْدَ الْغَدِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَهُوَ مُفِيقٌ فَقَدْ صَحَّ مِنْهُ نِيَّةُ صَوْمِ الْغَدِ وَرُكْنُ الصَّوْمِ هُوَ الْإِمْسَاكُ وَالْإِغْمَاءُ لَا يُنَافِيهِ فَتَأَدَّى صَوْمُهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِوُجُودِ رُكْنِهِ وَشَرْطُهُ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْيَوْمِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَمْ تُوجَدْ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ صَوْمَ كُلِّ يَوْمٍ يَسْتَدْعِي نِيَّةً عَلَى حِدَةٍ وَبِمُجَرَّدِ الرُّكْنِ بِدُونِ الشَّرْطِ لَا تَتَأَدَّى الْعِبَادَةُ

(قَالَ): وَإِذَا نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ فَأَنْزَلَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ مَا لَمْ يَمَسَّهَا وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنْ نَظَرَ مَرَّةً فَكَذَلِكَ، وَإِنْ نَظَرَ مَرَّتَيْنِ فَسَدَ صَوْمُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَلِيٍّ لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّمَا الْأُولَى لَك، وَالْأُخْرَى عَلَيْك»؛ وَلِأَنَّ النَّظَرَ الْأَوَّلَ يَقَعُ بَغْتَةً فَلَا يَنْعَدِمُ بِهِ الْإِمْسَاكُ فَإِذَا تَعَمَّدَ النَّظَرَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ فَقَدْ فَوَّتَ رُكْنَ الصَّوْمِ.

(وَلَنَا) أَنَّ النَّظَرَ كَالتَّفَكُّرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِهَا، وَلَوْ تَفَكَّرَ فِي جَمَالِ امْرَأَةٍ فَأَنْزَلَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ فَكَذَلِكَ إذَا نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا، وَلَوْ كَانَ هَذَا مُفْسِدًا لِلصَّوْمِ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>