للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسِهِ وَلَا يُمْكِنُ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهِ إذْ لَا صُنْعَ لِأَحَدٍ مِنْ الْعِبَادِ فِيهِ فَيَصِيرُ مُضَافًا إلَى الشَّرْطِ وَلِأَنَّ الْحَافِرَ سَبَبٌ لِوُقُوعِهِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا السَّبَبِ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِي الطَّرِيقِ مَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَارَّةُ وَيَخْرُجُ بِهِ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَمَرًّا لَهُمْ ثُمَّ الضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ دُونَ الْمُخْطِئِ وَفِعْلُ الْمُخْطِئِ اتَّصَلَ بِالْمُتْلَفِ وَفِعْلُ الْحَافِرِ اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ فَمَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ فِعْلِ الْمُخْطِئِ يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ هَاهُنَا بِطَرِيقِ الْأُولَى وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ مُبَاشَرَةً وَقَدْ يَكُونُ الْحَافِرُ مَبْنِيًّا عَلَى وُقُوعِ الْوَاقِعِ فِي الْبِئْرِ فَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فِي ذَلِكَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَوْجَبَ الضَّمَانَ عَلَى الْحَافِرِ مُطْلَقًا وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ هَذَا إذَا مَاتَ مِنْ وُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ فَإِنْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ فَمَاتَ جُوعًا أَوْ غَمًّا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَافِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ مَاتَ جُوعًا فَكَذَلِكَ وَإِنْ مَاتَ غَمًّا فَالْحَافِرُ ضَامِنٌ لَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ ضَامِنٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنَّمَا يَصِيرُ هَلَاكُهُ مُضَافًا إلَى الْحَافِرِ إذَا هَلَكَ بِسَبَبِ الْوُقُوعِ فَيُجْعَلُ الْحَافِرُ كَالدَّافِعِ لَهُ فَأَمَّا إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ سَبَبٌ آخَرُ لِهَلَاكِهِ كَالْجُوعِ الَّذِي هَاجَ مِنْ طَبْعِهِ أَوْ الْغَمُّ الَّذِي أَثَّرَ فِي قَلْبِهِ فَإِنَّمَا يَكُونُ هَلَاكُهُ مُضَافًا إلَى هَذَا السَّبَبِ وَلَا صُنْعَ لِلْحَافِرِ فِيهِ وَأَبُو يُوسُفَ لَمَا سَبَبٌ لِلْغَمِّ سِوَى الْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ فَأَمَّا الْجُوعُ فَلَهُ سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ بُعْدُ الطَّعَامِ عَنْهُ وَاحْتِرَاقُ مَعِدَتِهِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَوَادِّ الطَّعَامِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: كُلُّ ذَلِكَ إنَّمَا حَدَثَ بِسَبَبِ الْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ لَوْلَاهُ لَكَانَ الطَّعَامُ قَرِيبًا مِنْهُ وَالْحَافِرُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ السَّبَبِ وَالْحُكْمُ تَارَةً يُضَافُ إلَى السَّبَبِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَتَارَةً بِوَاسِطَةٍ فَكَذَلِكَ يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ تَارَةً بِوَاسِطَةٍ وَتَارَةً بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ فَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَ عَلَيْهَا أُجَرَاءَ فَحَفَرُوهَا لَهُ فَذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآجِرِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهَا فِي غَيْرِ فِنَائِهِ لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الرُّؤَسَاءِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مَا بَاشَرَ الْحَفْرَ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَ الْأُجَرَاءَ لِذَلِكَ ثُمَّ ضَمَّنَّهُ شُرَيْحٌ وَهَذَا لِأَنَّ الْأُجَرَاءَ يَعْمَلُونَ لَهُ وَلِهَذَا يَسْتَوْجِبُونَ عَلَيْهِ الْأَجْرَ وَقَدْ صَارُوا مَغْرُورِينَ مِنْ جِهَتِهِ حِينَ لَمْ يُعْلِمْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَيْسَ مِنْ فِنَائِهِ وَإِنَّمَا حَفَرُوا اعْتِمَادًا عَلَى أَمْرِهِ وَعَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِنَائِهِ فَلِدَفْعِ ضَرَرِ الْغُرُورِ انْتَقَلَ فِعْلُهُمْ إلَى الْآمِرِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ حَفَرَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا مِنْ غَيْرِ فِنَائِهِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ جُنَاةٌ فِي الْحَفْرِ وَأَمْرُهُ إيَّاهُمْ بِالْحَفْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْحَفْرِ بِنَفْسِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ لِإِثْبَاتِ صِفَةِ الْحِلِّ بِهِ وَلِدَفْعِ الْغُرُورِ عَنْ الْحَافِرِ بِهِ وَقَدْ انْعَدَمَا جَمِيعًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ أَمْرِهِ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الَّذِينَ بَاشَرُوا الْحَفْرَ.

وَإِنْ كَانَ فِي فِنَائِهِ فَهُوَ عَلَى الْآمِرِ دُونَ الْأُجَرَاءِ عَلِمُوا أَوْ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>