للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْلَمُوا لِأَنَّ أَمْرَهُ فِي فِنَائِهِ مُعْتَبَرٌ فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ فِي فِنَائِهِ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ مَانِعٌ وَهَذَا لِأَنَّ الْفِنَاءَ اسْمٌ لِمَوْضِعٍ اخْتَصَّ صَاحِبُ الْمِلْكِ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ حَيْثُ كَسْرُ الْحَطَبِ وَإِيقَافُ الدَّوَابِّ وَإِلْقَاءُ الْكُنَاسَةِ فِيهِ فَكَانَ أَمْرُهُ مُعْتَبَرًا فِي الْحِلِّ وَانْتَقَلَ فِعْلُ الْآمِرِ إلَيْهِ بِهَذَا الْأَمْرِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ سَقَطَتْ فِيهِ دَابَّةٌ فَعَطِبَتْ فَضَمَانُهُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْمَالَ وَإِنَّمَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ النُّفُوسَ مِنْ الْأَحْرَارِ وَالْمَمَالِيكِ بِدَلِيلِ حَالَةِ الْخَطَأِ وَإِذَا وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ مُتَعَمِّدًا لِلسُّقُوطِ فِيهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا وَلَوْ أَوْقَعَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْحَافِرِ شَيْءٌ وَهَذَا لِأَنَّ وَضْعَهُ الْقَدَمَ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَعَ عِلْمِهِ تَعَدٍّ مِنْهُ وَمُبَاشَرَةُ فِعْلِ إلْقَاءِ النَّفْسِ فِي الْمَهْلَكَةِ وَإِنَّمَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الشَّرْطِ إذَا تَعَذَّرَ إضَافَتُهُ إلَى السَّبَبِ فَأَمَّا مَعَ إمْكَانِ الْإِضَافَةِ إلَى السَّبَبِ فَلَا يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ

قَالَ: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ أَرْبَعَةَ رَهْطٍ يَحْفِرُونَ لَهُ بِئْرًا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ حَفْرِهِمْ فَقَتَلَتْ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ رُبْعُ دِيَتِهِ وَسَقَطَ الرُّبْعُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا أَعْوَانًا لَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ عَلَيْهِمْ مَا سَقَطَ بِفِعْلِهِمْ فَكَانُوا مُبَاشِرِينَ لِسَبَبِ الْإِتْلَافِ وَالْقَتِيلُ أَحَدُ الْمُبَاشِرِينَ فَتُوَزَّعُ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ وَيَسْقُطُ مِنْهُ حِصَّةُ الْقَتِيلِ بِجِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَيَبْقَى حِصَّةُ الثَّلَاثَةِ بِجِنَايَتِهِمْ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ عَشَرَةَ نَفَرٍ مَدُّوا الْحِلَّةَ فَسَقَطَتْ عَلَى أَحَدِهِمْ فَقَتَلَتْهُ فَقَضَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التِّسْعَةِ بِعُشْرِ الدِّيَةِ وَأَسْقَطَ الْعُشْرَ حِصَّةَ الْمَقْتُولِ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى فِي الْقَارِصَةِ وَالْوَاقِصَةِ وَالْقَامِصَةِ بِالدِّيَةِ أَثْلَاثًا وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ ثَلَاثَ جَوَارٍ كُنَّ يَلْعَبْنَ فَرَكِبَتْ إحْدَاهُنَّ صَاحِبَتَهَا فَقَرَصَتْ الثَّالِثَةُ الْمَرْكُوبَةَ فَقَمَصَتْ الْمَرْكُوبَةُ وَوَقَعَتْ الرَّاكِبَةُ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا فَقَضَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِثُلُثِ الدِّيَةِ عَلَى الْقَارِصَةِ وَبِالثُّلُثِ عَلَى الْقَامِصَةِ وَأَسْقَطَ الثُّلُثَ حِصَّةَ الْوَاقِصَةِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي يَحْفِرُ بِئْرًا فِي فِنَائِهِ فَضَمَانُ مَا يَقَعُ فِيهَا عَلَى الْحَافِرِ وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ فَالضَّمَانُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ يَدْفَعُ بِهِ أَوْ يَفْدِي وَلَمْ يَفْصِلْ هَاهُنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ عَالِمًا بِذَلِكَ أَوْ غَيْرَ عَالَمٍ بِخِلَافِ الْحُرِّ وَالْفَرْقُ هُنَاكَ لِمَعْنَى الْغُرُورِ وَلَا غُرُورَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ فَإِنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ فِي الْفَصْلَيْنِ عَلَى السَّيِّدِ فَلِهَذَا جَعَلَ فِعْلَ عَبْدِهِ بِأَمْرِهِ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ.

وَإِذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَحَفَرَ مِنْهَا طَائِفَةً فِي أَسْفَلِهَا ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَمَاتَ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَضْمَنَ الْأَوَّلُ كَأَنَّهُ الدَّافِعُ وَبِهِ يَأْخُذُ مُحَمَّدٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ بِمَا حَفَرَ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ يَصِيرُ كَالدَّافِعِ لِمَنْ سَقَطَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>