للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ أَمَةً فَإِنَّهَا لَا تُزَادُ قِيمَتُهَا عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ وَيَنْقُصُ مِنْ ذَلِكَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَأَمَّا فِي قَطْعِ طَرَفِ الْعَبْدِ فَيَجِبُ نِصْفُ قِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ إلَّا رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ فِي قَطْعِ يَدِ الْعَبْدِ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْوَكَالَةِ

وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا فِي قَتْلِ الْعَبْدِ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلِأَنَّ الْمُتْلَفَ مَاتَ فَيَجِبُ ضَمَانُ قِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَهَذَا لِأَنَّ ضَمَانَ الْمَالِ يَجِبُ بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْجُبْرَانُ بِمَا يَكُونُ مِثْلًا لَهُ فِي صِفَةِ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا يَضْمَنُ الْمَمْلُوكُ عِنْدَ الْغَصْبِ بِقِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَتْلِ وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنَّهُ مَالٌ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ لِلْمَوْلَى وَمِلْكُهُ فِي عَبْدِهِ مِلْكُ مَالٍ وَالضَّمَانُ الْوَاجِبُ لَهُ يَكُونُ ضَمَانَ الْمَالِ إذَا أَمْكَنَ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي حَالَةِ الْعَمْدِ لِأَنَّ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يَقُولُ الْقِصَاصُ يَكُونُ بَدَلًا عَنْ الْمَالِيَّةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْمَالِيَّةَ تَرْقُبُ بِهَذَا الْمَحَلِّ فَتَصِيرُ مَضْمُونَةً بِالنُّقْصَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَالُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ مَضْمُونًا بِالْقِصَاصِ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ يَكُونُ مَضْمُونًا بِاعْتِبَارِ حُرْمَةِ الْمَحَلِّ بِمَا لَا يَضْمَنُ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ وَهَذَا لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْعَمْدَ وَالتَّكَافُؤَ وَذَلِكَ تُمْكِنُ مُرَاعَاتُهُ فِي هَذَا الْمَالِ دُونَ سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَكَانَ هَذَا الْمَالُ مَضْمُونًا بِالْقِصَاصِ دُونَ سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فِي الْأَسْوَاقِ لِيُوجِبَ بِهِ حِينَ يَنْفُذُ السُّوقُ وَهَذَا يَخْتَصُّ بِضَمَانِ الْأَمْوَالِ فَأَمَّا فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ فَإِنَّمَا تَجِبُ الْإِبِلُ وَلَا مَدْخَلَ لِلْإِبِلِ هَاهُنَا.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بِاخْتِلَافِ أَوْصَافِ الْمُتْلَفِ فِي الْجِنْسِ وَالْجَمَالِ وَالْمَالِيَّةِ تَخْتَلِفُ هَذِهِ الْأَوْصَافُ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ عَنْ الدِّيَةِ نُقْصَانًا غَيْرَ مُعْتَبَرٍ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ أَوْ يَكُونُ الْمُتْلَفُ عَبْدًا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا لَوْ كَانَ قَلِيلَ الْقِيمَةِ وَهَذَا لِأَنَّ فِي الْعَبْدِ مَعْنَيَيْنِ: مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ بَدَلًا عَنْ الْمَالِيَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى تَرْجِيحِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ صَيْرُورَتُهُ مَحِلًّا قَابِلًا لِلتَّصَرُّفَاتِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَخُرُوجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْوِلَايَاتِ الَّتِي اخْتَصَّتْ بِهَا النُّفُوسُ الْمُحْتَرَمَةُ عَلَى أَنَّا نَعْتَبِرُ كِلَا الْوَصْفَيْنِ فَنَقُولُ: مَتَى كَانَ الْوَاجِبُ بِإِتْلَافِهِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَهُوَ الْقِصَاصُ يَتَرَجَّحُ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَالِيَّةِ وَكَثْرَةِ الْمَالِيَّةِ وَهَذَا لِأَنَّ ضَمَانَ الْمَالِ بِالْمَالِ أَصْلٌ وَضَمَانٌ مَا لَيْسَ بِمَالٍ يَكُون عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَمَهْمَا أَمْكَنَ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى مُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ فَلَا مَعْنَى لِلْمَصِيرِ إلَى إيجَابِهِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>