للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْمُكَاتَبِ.

فَأَمَّا جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ فَتَكُونُ دَيْنًا فِي عُنُقِهِ تُقْضَى مِنْ كَسْبِهِ أَوْ يُبَاعُ فِيهَا وَكَذَلِكَ لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً مُكْرَهَةً فَذَلِكَ دَيْنٌ فِي عُنُقِهِ يُبَاعُ فِيهِ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ مِمَّا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حُكْمِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُلْتَزِمُ بِذَلِكَ حُرًّا كَانَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ دُونَ عَوَاقِلِهِ بِأَنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ أَوْ مُسْتَكْرَهَةً وَسَقَطَ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ يَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَالدَّيْنُ عَلَيْهِ يَكُونُ شَاغِلًا لِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى الْمَمَالِيكِ خَطَأً فِيهَا دُون النَّفْسِ وَإِنْ كَانَ الْجَانِي حُرًّا لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ بِحَالٍ لِأَنَّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ الْمُتْلَفُ جُزْءٌ مِنْ الْجِسْمِ وَالْجِسْمُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَهْرِ وَالِاسْتِيلَاءِ فَيَصِيرُ مَمْلُوكًا مَآلًا فَيَكُونُ إتْلَافُهُ فِي حُكْمِ إتْلَافِ الْمَالِ فَيَجِبُ فِيهِ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتْلِفِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَيَكُونُ ذَلِكَ حَالًا فِي مَالِهِ وَلَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ بِمَنْزِلَةِ إتْلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ.

فَإِذَا بَلَغَ النَّفْسَ عَقَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ وَقَدْ اعْتَبَرَهُ فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ نَفْسَ الْعَبْدِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَاسْتَدَلَّ فِيهِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا» وَالْمُرَادُ أَنَّ نَفْسَ الْعَبْدِ لَا تَعْقِلُهَا الْعَاقِلَةُ وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ يَحِلُّ لِلتَّمَلُّكِ بِالْعَقْدِ فَمَا يَجِبُ مِنْ الضَّمَانِ بِإِتْلَافِهِ يَكُونُ عَلَى الْمُتْلِفِ فِي مَالِهِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ الْقِيمَةُ الْوَاجِبَةُ بِإِتْلَافِ نَفْسِ الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ الدِّيَةِ الْوَاجِبَةِ بِإِتْلَافِ نَفْسِ الْحُرِّ وَذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَهَذَا مِثْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَهْرِ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا الْمُلَّك بَلْ الْعَبْدُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ عَمْدًا كَمَا يَتَعَلَّقُ بِقَتْلِ الْحُرِّ وَكَذَلِكَ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِصَاصِ وَلَا كَفَّارَةً فِي ضَمَانِ الْأَمْوَالِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَالَ وَاجِبٌ هَاهُنَا بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَكُونُ مَثَلًا لِمَا لَيْسَ بِمَالِ وَمَا لَا يَكُونُ مَمْلُوكًا مِنْ الْآدَمِيِّ لَا يَكُونُ مَالًا وَإِنَّمَا وُجُوبُ الْمَالِ بِقَوْلِهِ {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] إلَّا أَنَّ هَذِهِ الدِّيَةَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ الْقِيمَةُ وَفِي حَقِّ الْحُرِّ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ كَمَا بَيَّنَهُ الشَّرْعُ وَالدِّيَةُ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي حَالَةِ الْخَطَأِ وَبِهَذَا الْمَعْنَى خَالَفَ النَّفْسَ مَا دُونَ النَّفْسِ لِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ لَا مَدْخَلَ فِيهِ لِلْكَفَّارَةِ وَالْقِصَاصِ وَتَأْوِيلُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِ الْعَبْدِ وَبِهِ نَقُولُ ثُمَّ الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ الْمَمْلُوكِ قِيمَتُهُ قُلْت قِيمَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تُزَادُ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ وَلَا تَنْقُصُ عَنْ عَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إذَا كَانَ الْعَبْدُ كَبِيرَ الْقِيمَةِ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>