للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ أَنْ تَثْبُتَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ النَّفْسِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ وَلَكِنْ مَعَ الْمُسَاوَاةِ تَتَرَجَّحُ النَّفْسِيَّةُ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ وَهُوَ الْقَتْلُ لِأَنَّ الْقَتْلَ سَبَبٌ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْأَمْوَالُ عَادَةً وَإِنَّمَا يَقْصِدُ بِهِ النُّفُوسَ لِمَعْنَى التَّشَفِّي وَالِانْتِقَامِ فَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَإِنَّمَا تَقْصِدُ بِالْغَصْبِ فَلَا جَرَمَ ضَمَانُ الْغَصْبِ يَكُونُ ضَمَانَ مَالٍ يَجِبُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْأَحْرَارِ وَضَمَانُ الْقَتْلِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ النَّفْسِيَّةِ سَوَاءٌ بِقَتْلِ الْحُرِّ أَوْ وَجَبَ بِقَتْلِ الْعَبْدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى بِقَتْلِ عَبْدِهِ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ مَا يَجِبُ بِمُقَابِلَةِ نَفْسِ الْعَبْدِ يَكُونُ لِمَوْلَاهُ عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ وَالْخِلَافَةُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ لَا تَنْعَدِمُ حُكْمًا بِالْقَتْلِ فَلَوْ وَجَبَ وَجَبَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا فَضْلُ الْقِصَاصِ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ ثُمَّ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى إذَا قَتَلَ عَبْدَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ فَكَذَلِكَ الْمَالُ.

وَمَنْ يَقُولُ: الْقِصَاصُ وَاجِبٌ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ فَهُوَ لَغْوٌ مِنْ الْكَلَامِ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يُضْمَنُ بِالْقِصَاصِ بِحَالٍ فَكَيْفَ يُضْمَنُ بِالْقِصَاصِ وَالْمَقْصُودُ بِالْمَالِ التَّمَوُّلُ وَالِادِّخَارُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ وَلَيْسَ فِي الْقِصَاصِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا يَتَبَيَّنُ تَرْجِيحُ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ عَلَى مَعْنَى الْمَالِيَّةِ لِأَنَّ الْمُتْلَفَ فِي حَالِ الْخَطَأِ مَا هُوَ الْمُتْلَفُ فِي حَالَةِ الْعَمْدِ فَإِذَا جَعَلَ الْمَضْمُونَ مِنْهُ فِي حَالَةِ الْعَمْد مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ فَكَذَلِكَ فِي حَالَةِ الْخَطَأِ وَمَنْ يَقُولُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَذَلِكَ فَضْلٌ مِنْ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَاهُنَا طَرِيقٌ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الدِّيَةَ مَعَ كَمَالِ الْقِيمَةِ وَيُسْتَوْفَى فِي حَالَةِ الْعَمْدِ الْقِصَاصُ بِاعْتِبَارِ النَّفْسِيَّةِ وَالْقِيمَةُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ وَأَحَدٌ لَا يَقُولُ ذَلِكَ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِمَا بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ مِنْ الْمُغَايَرَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّضَادِّ فَأَمَّا النُّقْصَانُ فَنَقُولُ: بَدَلُ النَّفْسِ قَدْ يَنْقُصُ عَنْ أَعْلَى الدِّيَاتِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى مُوجِبٍ لِلنُّقْصَانِ فِي الْمَحَلِّ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَنْقُصُ بِالْأُبُوَّةِ وَبِالْكُفْرِ عَنْ أَصْلِ الْخَصْمِ وَبِالِاجْتِنَانِ فِي الْبَطْنِ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّ بَدَلَ الْجَنِينِ دُونَ بَدَلِ الْمُنْفَصِلِ وَإِنْ كَانَ الْوُجُوبُ بِاعْتِبَارِ النَّفْسِيَّةِ هُنَاكَ إذْ لَا مَالِيَّةَ فِي الْجَنِينِ حُرًّا كَانَ أَوْ مَمْلُوكًا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ عَنْ أَعْلَى الدِّيَاتِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَهَذَا لِأَنَّ تَكْمِيلَ الدِّيَةِ بِاعْتِبَارِ كَمَالِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ بَدَلَ الْأُنْثَى عَلَى النِّصْفِ مِنْ بَدَلِ الذَّكَرِ لِأَنَّ الذَّكَرَ أَهْلٌ لِمَالِكِيَّةِ الْمَالِ وَالنِّكَاحِ وَالْأُنْثَى أَهْلٌ لِمَالِكِيَّةِ الْمَالِ دُونَ مَالِكِيَّةِ النِّكَاحِ فَإِنَّهَا مَمْلُوكَةٌ نِكَاحًا فَيَتَنَصَّفُ بَدَلُهَا بِذَلِكَ وَالْجَنِينُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ فِي الْحَالِ وَلَكِنَّ فِيهِ عُرْضَةَ الْأَهْلِيَّةِ لِذَلِكَ إذَا انْفَصَلَ حَيًّا فَبِاعْتِبَارِهِ يَنْقُصُ بَدَلُهُ غَايَةَ النُّقْصَانِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ بِسَبَبِ الرِّقِّ تَنْتَقِصُ صِفَةُ الْمَالِكِيَّةِ لِأَنَّهُ صَارَ مَمْلُوكًا مَآلًا وَلَمْ يَبْقَ مَالِكًا لِلنِّكَاحِ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّ هَذَا النُّقْصَانَ عَارِضٌ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِأَنْ يُعْتَقَ فَيَجُوزُ أَنْ يُزَادَ بَدَلُ الرَّقِيقِ عَلَى بَدَلِ الْأُنْثَى لِهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>