للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ» وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ بَيَانُ مَا بِهِ تَتَأَدَّى الْكَفَّارَةُ فِي الْجُمْلَةِ لَا بَيَانُ التَّخْيِيرِ ثُمَّ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْعِتْقِ كَفَّارَتُهُ بِالصَّوْمِ الْأَعْلَى قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَجَعَلَ هَذَا قِيَاسَ الْمُجَامِعِ فِي الْإِحْرَامِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي إثْبَاتِ مَا بِهِ تَتَأَدَّى الْكَفَّارَةُ إنَّمَا طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ النَّصُّ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ النُّصُوصِ ذِكْرُ الْبَدَنَةَ فِي كَفَّارَةِ الْفِطْرِ فَكَمَا لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيمَا تَتَأَدَّى بِهِ الْعِبَادَاتُ فَكَذَا فِيمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ فِيهَا. وَالصَّوْمُ مُقَدَّرٌ بِالشَّهْرَيْنِ بِصِفَةِ التَّتَابُعِ إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ يَقُولُ إنْ شَاءَ تَابَعَ، وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْقَضَاءِ وَمَا رَوَيْنَا مِنْ الْآثَارِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَكَانَ رَبِيعَةُ الرَّازِيّ يَقُولُ: الصَّوْمُ مُقَدَّرٌ بِاثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا قَالَ: لِأَنَّ السُّنَّةَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَصَوْمُ كُلِّ يَوْمٍ يَقُومُ مَقَامَ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا وَبَعْضُ الزُّهَّادِ يَقُولُ: الصَّوْمُ مُقَدَّرٌ بِأَلْفِ يَوْمٍ فَإِنَّ فِي رَمَضَانَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَهِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ فَإِذَا فَوَّتَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ أَلْفَ يَوْمٍ لِيَقُومَ مَقَامَهُ وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا فَإِنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ كَمَا رَوَيْنَا، وَهَذِهِ آثَارٌ تَلَقَّتْهَا الْعُلَمَاءُ بِالْقَبُولِ، وَالْعَمَلُ بِهَا وَإِثْبَاتُ الْكَفَّارَةِ بِمِثْلِهَا جَائِزٌ، وَكَمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الرَّجُلِ تَجِبُ عَلَيْهَا إنْ طَاوَعَتْهُ وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ قَوْلٌ مِثْلُ هَذَا وَقَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَيْهِ دُونَهَا وَقَوْلٌ آخَرُ فَصَّلَ بَيْنَ الْبَدَنِيِّ وَالْمَالِيِّ فَقَالَ: عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ بِالصَّوْمِ وَيَتَحَمَّلُ الزَّوْجُ عَنْهَا إذَا كَانَ مَالِيًّا وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ حُكْمَ الْكَفَّارَةِ فِي جَانِبِهِ لَا فِي جَانِبِهَا فَلَوْ لَزِمَتْهَا الْكَفَّارَةُ لَبَيَّنَ ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَ الْحَدَّ فِي جَانِبِهَا فِي حَدِيثِ الْعَسِيفِ ثُمَّ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ الْمُوَاقَعَةُ الْمُعْدِمَةُ لِلصَّوْمِ وَالرَّجُلُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِذَلِكَ دُونَهَا إذْ هِيَ مَحَلُّ الْمُوَاقَعَةِ وَلَيْسَتْ بِمُبَاشَرَةِ لِلْمُوَاقَعَةِ فَكَانَ فِعْلُهَا دُونَ فِعْلِ الرَّجُلِ كَالْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّ سَبَبَهُ الزِّنَا وَهِيَ مُبَاشِرَةٌ لِلزِّنَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا زَانِيَةً وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يَقُولُ: مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَاقَعَةِ إذَا كَانَ بَدَنِيًّا اشْتَرَكَا فِيهِ كَالِاغْتِسَالِ، وَإِذَا كَانَ مَالِيًّا تَحَمَّلَ الزَّوْجُ عَنْهَا كَالْمَهْرِ وَثَمَنِ مَاءِ الِاغْتِسَالِ.

(وَلَنَا) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ» وَكَلِمَةُ مَنْ تَعُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْكَفَّارَةِ فِطْرٌ هُوَ جِنَايَةٌ كَامِلَةٌ، وَهَذَا السَّبَبُ يَتَحَقَّقُ فِي جَانِبِهَا كَمَا يَتَحَقَّقُ فِي جَانِبِهِ فَنُلْزِمُهَا الْكَفَّارَةَ كَمَا يَلْزَمُهَا الْحَدُّ بِسَبَبِ الزِّنَا وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ تَمْكِينَهَا فِعْلٌ كَامِلٌ فَإِنَّ مَعَ النُّقْصَانِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَبَيَانُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَفَّارَةَ فِي جَانِبِهِ بَيَانٌ فِي جَانِبِهَا؛ لِأَنَّ كَفَّارَتَهُمَا وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ حَدِيثِ الْعَسِيفِ فَإِنَّ الْحَدَّ فِي جَانِبِهِ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>