الْمَيِّتِ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى لِلْوَارِثِ الْمِلْكُ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْمُوَرِّثِ أَوْ الْوَارِثُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ لِلْمُوَرِّثِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ مَالٌ عَلَى الْعَبْدِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ لِلْوَارِثِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَقَدْ عَتَقَا بِالْمَوْتِ وَصَارَ الْكَسْبُ لَهُمَا عَلَى الْخُلُوصِ فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْمَالَ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ وَاجِبًا لِلْمَالِكِ فِي حُكْمِ مِلْكِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ وَاجِبًا لَهُ عَلَى مُعْتَقِهِ وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ
وَلَوْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ مَوْلَاهُ عَمْدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ: أَحَدُهُمَا ابْنُ الْمُدَبَّرِ فَعَلَى الْمُدَبَّرِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتَيْنِ: قِيمَةٍ لِرَدِّ الْوَصِيَّةِ وَقِيمَةٍ بِالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ ابْنَهُ قَدْ وَرِثَ بَعْضَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ فَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ وَيَنْقَلِبُ كُلُّهُ مَالًا وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حُرٌّ أَوْ مُكَاتَبٌ وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَلَوْ حَفَرَ الْمُدَبَّرُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا الْمَوْلَى فَمَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ أَعْلَى مِمَّا إذَا قَتَلَهُ خَطَأً وَهُنَاكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُدَبَّرِ بِالْجِنَايَةِ شَيْءٌ فَهَاهُنَا لَا يُحْرَمُ الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ وَكَمَا لَا يُحْرَمُ الْمُسَبَّبُ الْمِيرَاثَ فَكَذَلِكَ لَا يُحْرَمُ الْوَصِيَّةَ فَلِهَذَا أُعْتِقَ مِنْ الثُّلُثِ
قَالَ: وَإِذَا قَتَلَ الْمُدَبَّرُ رَجُلًا وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَ الْمُدَبَّرِ يُغَرَّمُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ رَجُلًا آخَرَ فَإِنَّ الْخَمْسَمِائَةِ أَرْشُ الْعَيْنِ لِلْمَوْلَى لَا حَقَّ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِ وَعَلَى الْمَوْلَى أَلْفُ دِرْهَمٍ قِيمَتُهُ يَوْمَ جَنَى عَلَى الْأَوَّلِ خَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ حَقَّ الثَّانِي إنَّمَا يَثْبُتُ فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ جَنَى عَلَى وَلِيِّهِ وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهُ خَمْسَمِائَةٍ فَلِهَذَا أَسْلَمَتْ الْخَمْسَمِائَةِ لِلْأَوَّلِ وَالْخَمْسُمِائَةِ الْبَاقِيَةُ يَضْرِبُ فِيهَا الثَّانِي بِالدِّيَةِ وَالْأَوَّلُ بِالدِّيَةِ إلَّا الْخَمْسَمِائَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي عَبْدًا فَدَفَعَ بِهِ كَانَ لِلْمَوْلَى أَيْضًا لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي رَقَبَتِهِ فَلَا يَثْبُتُ فِيمَا يَكُونُ بَدَلَ جُزْءٍ مِنْهُ (أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ لَمْ يَأْخُذْ الْعَبْدَ فِي الْجِنَايَةِ أَصْلًا أَوْ أَخَذَهُ وَبَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ لَمْ يَضْمَنْ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ بِذَلِكَ شَيْئًا وَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ صَحِيحًا
وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْمُدَبَّرُ لِرَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ لَمْ يَضْمَنْ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الدَّيْنِ فِي كَسْبِهِ وَسِعَايَتِهِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ بِإِعْتَاقِهِ إيَّاهُ فِي إبَائِهِ وَلَوْ لَمْ يُعْتِقْهُ وَلَكِنَّ رَجُلًا قَتَلَ الْمُدَبَّرَ فَغَرِمَ قِيمَتَهُ وَقَدْ جَنَى الْمُدَبَّرُ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ فَصَاحِبُ الدَّيْنِ أَحَقُّ بِالْقِيمَةِ مِنْ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ بَدَلَ رَقَبَتِهِ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِهِ فِي وُجُوبِ صَرْفِهِ إلَى الدَّيْنِ وَلِأَنَّ دَيْنَ نَفْسِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ مَوْلَاهُ فِي مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ وَحَقَّ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ عَلَى مَوْلَاهُ فَلِهَذَا كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَحَقَّ بِالْقِيمَةِ مِنْ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْلَى حَيًّا أَوْ مَيِّتًا
قَالَ: وَإِذَا قَتَلَ الْمُدَبَّرُ رَجُلَيْنِ: أَحَدَهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرَ خَطَأً فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ لِأَصْحَابِ الْخَطَأِ فَإِنْ عَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فَالْقِيمَةُ بَيْنَ الَّذِي لَمْ يَعْفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute