كِتَابَةِ صَاحِبِهِ فِي نَصِيبِهِ وَمَا كَانَ دَفْعُ نَصِيبِ صَاحِبِهِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَلِهَذَا لَا يُجْعَلُ بِهَذِهِ الْإِجَازَةِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَلَكِنْ يَكُونُ عَلَيْهِمَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَاتَبَاهُ وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ بِالْجِنَايَةِ.
عَبْدٌ جَنَى عَلَى حُرٍّ بِقَطْعِ يَدِهِ، ثُمَّ قَطَعَ يَدَ الْعَبْدِ رَجُلٌ حُرٌّ، وَلَا يُعْلَمُ أَيُّ الْجِنَايَتَيْنِ قَبْلُ، فَقَالَ الْحُرُّ كَانَتْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَيَّ قَبْلَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْمَوْلَى بَلْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ الْمَوْلَى أَرْشَ يَدِ الْعَبْدِ ظَاهِرٌ، وَهُوَ مِلْكُهُ رَقَبَتَهُ وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِدَعْوَاهُ سَبْقَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُ مَا يَدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَعَلَى الْمَوْلَى الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ يَدَّعِي تَارِيخًا سَابِقًا فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ، وَهَذَا التَّارِيخُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِبَيِّنَةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَحَلَفَ الْمَوْلَى خُيِّرَ، فَإِنْ شَاءَ دَفَعَ الْعَبْدَ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِجَمِيعِ الْأَرْشِ.
قَالَ: (أَلَا تَرَى) أَنَّ عَبْدًا لَوْ قَطَعَ يَدَ حُرٍّ وَجَرَحَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ، فَقَالَ الْمَوْلَى فَعَلْت ذَلِكَ قَبْلَ جِنَايَةِ عَبْدِي عَلَيْهِ، وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَلْ فَعَلْته بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ يَدَّعِي اخْتِيَارَ الْفِدَاءِ وَالْمَوْلَى مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَكَذَلِكَ مَا سَبَقَ.
وَإِنْ الْتَقَى عَبْدٌ وَحُرٌّ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَصًا فَشَجَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ مُوضِحَةً فَبَرِئَا جَمِيعًا، وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمَا بَدَأَ بِالضَّرْبَةِ، فَقَالَ الْمَوْلَى لِلْحُرِّ أَنْتَ بَدَأْت بِالضَّرْبَةِ، وَقَالَ الْحُرُّ بَلْ الْعَبْدُ بَدَأَ بِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ أَنَّ الْحُرَّ يَدَّعِي سَبْقَ تَارِيخٍ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ وَيَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ، فَإِذَا حَلَفَ الْمَوْلَى كَانَ عَلَى الْحُرِّ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ، لِلْمَوْلَى أَرْشُ الْمُوضِحَةِ وَيَدْفَعُ الْمَوْلَى عَبْدَهُ بِجِنَايَتِهِ أَوْ يَفْدِيهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَ الْعَبْدِ سَيْفٌ فَمَاتَ الْعَبْدُ وَبَرِئَ الْحُرُّ؛ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى الْعَبْدِ هَاهُنَا، فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَالْحُرُّ إنَّمَا جَنَى عَلَى الْعَبْدِ بِالْقِصَاصِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ فَكَانَ الْوَاجِبُ الْأَرْشَ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَوْلَى فِي إنْكَارِ التَّارِيخِ كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ جَمِيعُ قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَبْدِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فَيَكُونُ مِقْدَارَ مَا تَقْتَضِيهِ ضَرْبَةُ الْحُرِّ فِي قِيمَتِهِ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي ضَرَبَ الْعَبْدُ الْحُرَّ، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يَفْدِيهِ الْمَوْلَى ذَلِكَ يَكُونُ لِلْمَوْلَى وَيَكُونُ فِي الْبَاقِي أَرْشُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ اسْتَحَقَّ نَفْسَهُ بِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ مَاتَ وَأَخْلَفَ بَدَلًا فَيَقُومُ الْبَدَلُ مَقَامَهُ وَيُؤْمَرُ الْمَوْلَى بِدَفْعِ ذَلِكَ الْقَدْرِ إلَى الْحُرِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرْشُ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَدْفَعُ إلَيْهِ مِقْدَارَ أَرْشِ جِنَايَتِهِ وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ السَّيْفُ مَعَ الْحُرِّ وَالْعَصَا مَعَ الْعَبْدِ، وَقَدْ مَاتَ الْعَبْدُ وَأَرْشُ جِرَاحَةِ الْحُرِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute